الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }

قال ابن عباس: تهجد الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده: «يا رحمن يا رحيم». فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن، ما الرحمن إلاّ رحمن اليمامة يعنون مسيلمة فنزلت قاله في التحرير. ونقل ابن عطية نحواً منه عن مكحول. وقال عن ابن عباس: سمعه المشركون يدعو يا الله يا رحمن، فقالوا: كان يدعو إلهاً واحداً وهو يدعو إلهين فنزلت. وقال ميمون بن مهران: كان عليه السلام يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتبها فقال مشركوا العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت: وقال الضحاك: قال أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت لما لجوّا في إنكار القرآن أن يكون الله نزله على رسوله عليه السلام وعجزوا عن معارضته، وكان عليه الصلاة والسلام قد جاءهم بتوحيد الله والرفض لآلهتهم عدلوا إلى رميه عليه الصلاة والسلام بأن ما نهاهم عنه رجع هو إليه، فردّ الله تعالى عليهم بقوله { قل ادعوا الله } الآية. والظاهر من أسباب النزول أن الدعاء هنا قوله يا رحمن يا رحيم أو يا الله يا رحمن من الدعاء بمعنى النداء، والمعنى: إن دعوتم الله فهو اسمه وإن دعوتم الرحمن فهو صفته. قال الزمخشري: والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وهو يتعدّى إلى مفعولين، تقول: دعوته زيداً ثم تترك أحدهما استغناءً عنه، فتقول: دعوت زيداً انتهى. ودعوت هذه من الأفعال التي تتعدّى إلى اثنين ثانيهما بحرف جر، تقول: دعوت والدي بزيد ثم تتسع فتحذف الباء. وقال الشاعر في دعا هذه:
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن   أخاها ولم أرضع لها بلبان
وهي أفعال تتعدى إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر، يحفظ ويقتصر فيها على السماع وعلى ما قال الزمخشري يكون الثاني لقوله { ادعوا } لفظ الجلالة، ولفظ { الرحمن } وهو الذي دخل عليه الباء ثم حذف وكأن التقدير { ادعوا } معبودكم بالله أو ادعوه بالرحمن ولهذا قال الزمخشري: المراد بهما اسم المسمى وأو للتخيير، فمعنى { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } سموا بهذا الاسم أو بهذا، واذكروا إما هذا وإما هذا انتهى. وكذا قال ابن عطية هما اسمان لمسمى واحد، فإن دعوتموه بالله فهو ذاك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك وأي هنا شرطية. والتنوين قيل عوض من المضاف و { ما } زائدة مؤكدة. وقيل: { ما } شرط ودخل شرط على شرط. وقرأ طلحة بن مصرف. { أياً } من { تدعوا } فاحتمل أن تكون من زائدة على مذهب الكسائي إذ قد ادّعى زيادتها في قوله:

السابقالتالي
2 3