الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } * { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } * { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } * { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }

{ وبالحق أنزلناه } هو مردود على قولهلئن اجتمعت الإنس والجن } [الإسراء: 88] الآية وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى شيء آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولاً، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في { أنزلناه } عائد على موسى عليه السلام وجعل منزلاً كما قالوأنزلنا الحديد } [الحديد: 25] أو عائد على الآيات التسع، وذكر على المعنى أو عائد على الوعد المذكور قبله. وقال أبو سليمان الدمشقي { وبالحق أنزلناه } أي بالتوحيد، { وبالحق نزل } أي بالوعد والوعيد والأمر والنهي. وقال الزهراوي: بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس، { وبالحق نزل } أي بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره. وقال الزمخشري: وما أنزلنا القرآن إلاّ بالحكمة المقتضية لإنزاله وما نزل إلاّ ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير، وما أنزلناه من السماء إلاّ بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلاّ محفوظاً بهم من تخليط الشياطين انتهى. وقد يكون { وبالحق نزل } توكيداً من حيث المعنى لما كان يقال أنزلته فنزل، وأنزلته فلم ينزل إذا عرض له مانع من نزوله جاء، { وبالحق نزل } مزيلاً لهذا الاحتمال ومؤكداً حقيقة، { وبالحق أنزلناه } وإلى معنى التأكيد نحا الطبري. وانتصب { مبشراً ونذيراً } على الحال أي { مبشراً } لهم بالجنة ومنذراً من النار ليس لك شيء من إكراههم على الدين.

وقرأ الجمهور: { فرقناه } بتخفيف الراء أي بيَّنا حلاله وحرامه قاله ابن عباس، وعن الحسن فرقنا فيه بين الحق والباطل. وقال الفراء: أحكمناه وفصلناه كقولهفيها يفرق كل أمر حكيم } [الدخان: 4]. وقرأ أبيّ وعبد الله وعليّ وابن عباس وأبو رجاء وقتادة والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن عليّ وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن بخلاف عنه بشد الراء أي { أنزلناه } نجماً بعد نجم. وفصلناه في النجوم. وقال بعض من اختار ذلك: لم ينزل في يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين. قال ابن عباس: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، هكذا قال الزمخشري عن ابن عباس. وحكي عن ابن عباس في ثلاث وعشرين سنة. وقيل: في خمس وعشرين، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في سنه عليه السلام، وعن الحسن نزل في ثمانية عشر سنة. قال ابن عطية: وهذا قول مختل لا يصح عن الحسن.

وقيل معنى: { فرّقناه } بالتشديد فرقنا آياته بين أمر ونهي، وحكم وأحكام، ومواعظ وأمثال، وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي. وانتصب { قرآناً } على إضمار فعل يفسره { فرقناه } أي وفرقنا { قرآناً فرقناه } فهو من باب الاشتغال وحسن النصب، ورجحه على الرفع كونه عطفاً على جملة فعلية وهي قوله { وما أرسلناك }. ولا بد من تقدير صفة لقوله { وقرآناً } حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للابتداء بها، والتقدير { وقرآناً } أي قرآن أي عظيماً جليلاً، وعلى أنه منصوب بإضمار فعل يفسره الظاهر بعده خرّجه الحوفي والزمخشري.

السابقالتالي
2 3 4