الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

النقض ضد الإبرام، وفي الجرم فك أجزائه بعضها من بعض. التوكيد: التثبيت ويقال: توكيد، وتأكيد، وهما لغتان. وزعم الزجاج أنّ الهمزة بدل من الواو، ولبس بجيد. لأن التصريف جاء في التركيبين فدل على أنهما أصلان. الغزل: معروف، وفعله غزل يغزل بكسر الزاي غزلاً، وأطلق المصدر على المغزول.

{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون }: عن ابن عباس في حديث فيه طول منه: أن عثمان بن مظعون كان جليس النبي صلى الله عليه وسلم وقتاً فقال له: عثمان ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟ قال: «وما رأيتني فعلت؟» قال: شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته على يمينك فتحرفت عني إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك قال: أو فطنت لذلك؟ أتاني رسول الله آنفاً وأنت جالس قال: فماذا قال لك: قال لي: { إن الله يأمر بالعدل }: الآية. قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي، فأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم لما ذكر الله تعالى. ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وصل به ما يقتضي التكاليف فرضاً ونفلاً وأخلاقاً وآداباً. والعدل فعل كل مفروض من عقائد، وشرائع، وسير مع الناس في أداء الأمانات، وترك الظلم والإنصاف، وإعطاء الحق والإحسان فعل كل مندوب إليه قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: العدل هو الواجب، لأن الله عز وجل عدل فيه على عباده، فجعل ما فرضه عليهم واقعاً تحت طاقتهم. والإحسان الندب، وإنما علق أمره بهم جميعاً، لأنّ الفرض لا بد أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب انتهى. وفي قوله: تحت طاقتهم، نزغة الاعتزال. وعن ابن عباس: العدل لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض. وعنه أيضاً أنّ العدل هو الحق. وعن سفيان بن عيينة: أنه أسوأ السريرة والعلانية في العمل. وذكر الماوردي أنه القضاء بالحق قال تعالى:وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } [النساء: 58] وقال أبو سليمان: العدل في لسان العرب الانصاف. وقيل: خلع الأنداد. وقيل: العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال. وإيتاء ذي القربى: هو صلة الرحم، وهو مندرج تحت الإحسان، لكنه نبه عليه اهتماماً به وحضاً على الإحسان إليه. والفحشاء: الزنا، أو ما شنعته ظاهرة من المعاصي. وفاعلها أبداً مستتر بها، أو القبيح من فعل أو قول، أو البخل، أو موجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، أو مجاوزة حدود الله أقوال، أولها لابن عباس.

السابقالتالي
2 3