الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

الكَل: الثقيل، وقد يسمى اليتيم كلاًّ لثقله على من يكفله. وقال الشاعر:
أكول لمال الكل قبل شبابه   إذا كان عظم الكل غير شديد
والكل أيضاً الذي لا ولد له ولا والد، والكل العيال، والجمع كلول. اللمح: النظر بسرعة، لمحه لمحاً ولمحاناً. الجو: مسافة ما بين السماء والأرض، وقيل: هو ما يلي الأرض في سمت العلو، واللوح والسكاك أبعد منه.

{ ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }: مناسبة ضرب هذا المثل أنه لما بين تعالى ضلالهم في إشراكهم بالله غيره وهو لا يجلب نفعاً ولا ضراً لنفسه ولا لعابده، ضرب لهم مثلاً قصة عبد في ملك غيره، عاجز عن التصرف، وحر غني متصرف فيما آتاه الله. فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنس واحد، ومشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوون به من مخلوق له مقهور بقدرته من آدمي وغيره، مع تباين الأوصاف. وأنّ موجد الوجود لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه، ولا يمكن لعاقل أن يشبه به غيره. قال مجاهد: هذا مثل لله وللأصنام. وقال قتادة: للمؤمن والكافر فالكافر العبد المملوك لا ينتفع بعبادته في الآخرة، ومن رزقناه المؤمن. وقال ابن جبير: مثل للبخيل والسخي انتهى.

ولما كان لفظ عبد قد يطلق على الحر، خصص بمملوك. ولما كان المملوك قد يكون له تصرف وقدرة كالمأذون له والمكاتب، خصص بقوله: لا يقدر على شيء، والمعنى: على شيء من التصرف في المال، لأنه يقدر على أشياء من حركاته: كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، والنوم، وغير ذلك. والظاهر كون ومن موصولة أي: والذي رزقناه، ودلت الصلة وما عطف على أنه يراد به الحر. وقال أبو البقاء: موصوفة. قال الزمخشري: الظاهر أنها موصوفة كأنه قال: وحراً رزقناه ليطابق عبداً، ولا يمتنع أن تكون موصولة. وقال الحوفي: مَن بمعنى الذي، ولا يقتضي ضرب المثل لشخصين موصوفين بأوصاف متباينة تعيينهما، بل ما روي في تعيينهما من أنهما: عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد له أو أنهما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبو جهل، لا يصح إسناده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7