الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

وصب الشيء دام، قال أبو الأسود الدؤلي:
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه   يوماً بذمّ الدهر أجمع واصبا
وقال حسان:
غيرته الريح يسفى به   وهزيم رعده واصب
والعليل وصيب، لكنّ المرض لازم له. وقيل: الوصب التعب، وصب الشيء شق، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها. والجواز: رفع الصوت بالدعاء، وقال الأعشى يصف راهباً:
يداوم من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا   
{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إلـه واحد فإياي فارهبون وله ما في السموات والأرض وله الدين واصباً أفغير الله تتقون وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بمآ آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون }: لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك. نهى أن يشرك به، ودل النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة. ولما كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه فيراد به الجنس نحو: نعم الرجل زيد، ونعم الرجلان الزيدان، وقول الشاعر:
فإن النار بالعودين تذكي   وأن الحرب أولها الكلام
أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل: إلۤهين اثنين، وقيل: إلۤه واحد، وقال الزمخشري: الاسم الحامل لمعنى الإفراد أو التثنية دال على شيئين: على الجنسية، والعدد المخصوص. فإذا أردت الدلالة على أن المعنى به مبهم. والذي يساق به الحديث هو العدد شفع بما يؤكده، فدل به على القصد إليه والعناية به. ألا ترى أنك إذا قلت: إنما هو إله ولم تؤكده بواحد، لم يحسن، وخيل: أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية انتهى. والظاهر أن لا تتخذوا، تعدى إلى واحد واثنين كما تقدم تأكيد. وقيل: هو متعد إلى مفعولين، فقيل: تقدم الثاني على الأول وذلك جائز، والتقدير: لا تتخذوا اثنين إلهين. وقيل: حذف الثاني للدلالة تقديره معبوداً واثنين على هذا القول تأكيد، وتقرير منافاة الاثنينية للإلهية من وجود ذكرت في علم أصول الدين. ولما نهى عن اتخاذ الإلهين، واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة، أخبر تعالى أنه إله واحد كما قال:وإلهكم إله واحد } [البقرة: 163] بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة. ثم أمرهم بأنْ يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة، وانتصب إياي بفعل محذوف مقدر التأخير عنه يدل عليه فارهبون، وتقديره: وإياي ارهبوا. وقول ابن عطية: فإياي، منصوب بفعل مضمر تقديره: فارهبوا إياي فارهبون، ذهول عن القاعدة في النحو، أنه إذا كان المفعول ضميراً منفصلاً والفعل متعدياً إلى واحد هو الضمير، وجب تأخير الفعل كقولك:إياك نعبد } [الفاتحة: 5] ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله:

السابقالتالي
2 3