الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ }

قال الزمخشري: ولقد أمد إبطال قدر السوء ومشيه الشر بأنه ما من أمة إلا وقد بعث فيهم رسولاً يأمرهم بالخير الذي هو الإيمان وعبادة الله واجتناب الشر الذي هو الطاغوت فمنهم من هدى الله أي لطف به، لأنه عرفه من أهل اللطف، ومنهم من حقت عليه الضلالة أي ثبت عليه الخذلان والشرك من اللطف، لأنه عرفه مصمماً على الكفر لا يأتي منه خير. فسيروا في الأرض فانظروا ما فعلت بالمكذبين حتى لا تبقى لكم شبهة وإني لا أقدر الشر ولا أشاؤه، حيث أفعل ما أفعل بالأشرار انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. ولما قال: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين، بيَّن ذلك هنا بأنه بعث الرسل بعبادته وتجنب عبادة غيره، فمنهم من اعتبر فهداه الله، ومنهم من أعرض وكفر، ثم أحالهم في معرفة ذلك على السير في الأرض واستقراء الأمم، والوقوف على عذاب الكافرين المكذبين، ثم خاطب نبيه وأعلمه أنّ من حتم عليه بالضلالة لا يجدي فيه الحرص على هدايته.

وقرأ النخعي: وإن بزيادة واو وهو والحسن، وأبو حيوة: تحرص بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة. وقرأ الجمهور بالكسر مضارع حرص بالفتح، وهي لغة الحجاز. وقرأ الحرميان، والعربيان، والحسن، والأعرج، ومجاهد، وشيبة، وشبل، ومزاحم الخراساني، والعطاردي، وابن سيرين: لا يهدي مبنياً للمفعول، ومن مفعول لم يسم فاعله. والفاعل في يضل ضمير الله والعائد على من محذوف تقديره: من يضله الله. وقرأ الكوفيون، وابن مسعود، وابن المسيب، وجماعة: يهدي مبنياً للفاعل. والظاهر أنّ في يهدي ضميراً يعود على الله، ومن مفعول، وعلى ما حكى الفراء أنّ هدى يأتي بمعنى اهتدى يكون لازماً، والفاعل من أي لا يهتدي من يضله الله. وقرأت فرقة منهم عبد الله: لا يهدي بفتح الياء وكسر الهاء والدال. كذا قال ابن عطية، ويعني: وتشديد الدال وأصله يهتدي، فأدغم كقولك في: يختصم يخصم. وقرأت فرقة: يهدي بضم الياء وكسر الدال، قال ابن عطية: وهي ضعيفة انتهى. وإذا ثبت أن هدى لازم بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة، لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى: لا يجعل مهتدياً من أضله، وفي مصحف أُبي: لا هادي لمن أضل. وقال الزمخشري: وفي قراءة أبيّ فإنّ الله لا هادي لمن يضل ولمن أضل. وقرىء: يضل بفتح الياء، وقال أيضاً: حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمان قريش، وعرفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة، وأنه لا يهدي من يضل أي: لا يلطف بمن يخذل لأنه عبث، والله تعالى متعالٍ عن العبث، لأنه من قبيل القبائح التي لا تجوز عليه انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.

السابقالتالي
2