الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }

ذكر تعالى التباين بين من يخلق وهو الباري تعالى، وبين من لا يخلق وهي الأصنام، ومن عبد ممن لا يعقل، فجدير أن يفرد بالعبادة من له الإنشاء دون غيره. وجيء بمن في الثاني لاشتمال المعبود غير الله على من يعقل وما لا يعقل، أو لاعتقاد الكفار أنّ لها تأثيراً وأفعالاً، فعوملت معاملة أولي العلم، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق، أو لتخصيصه بمن يعلم. فإذا وقعت البينونة بين الخالق وبين غير الخالق، من أولي العلم فكيف بمن لا يعلم البتة كقوله:ألهم أرجل يمشون بها } [الأعراف: 195] أي: أن آلهتهم منحطة عن حال من له أرجل، لأنّ من له هذه حي، وتلك أموات، فكيف يصح أن يعبد لا أن من له رجل يصح أن يعبد؟ قال الزمخشري: (فإن قلت): هو إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق، فكان حق الإلزام أن يقال لهم: أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ (قلت): حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له، وسووا بينه وبينه، فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق، ثم وبخهم بقوله: أفلا تذكرون، أي: مثل هذا لا ينبغي أن تقع فيه الغفلة. والنعمة يراد بها النعم لا نعمة واحدة، يدل على ذلك قوله تعالى: { وإن تعدوا } وقوله:لا تحصوها } [إبراهيم: 34] إذ ينتفي العدو الإحصاء في الواحدة، والمعنى: لا تحصوا عدها، لأنها لكثرتها خرجت عن إحصائكم لها، وانتفاء إحصائها يقتضي انتفاء القيام بحقها من الشكر. ولما ذكر نعماً سابقة أخبر أنّ جميع نعمه لا يطيقون عدها. وأتبع ذلك بقوله: إن الله لغفور رحيم، حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعم، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. ولما كان الإنسان غير قادر على أداء شكر النعم، وأن له حالة يعرض فيها منه كفرانها قال في عقب الآية التي في ابراهيم:إن الإنسان لظلوم كفار } [إبراهيم: 34] أي لظلوم بترك الشكر كفار للنعمة. وفي هذه الآية ذكر الغفران والرحمة لطفاً به، وإيذاناً في التجاوز عنه. وأخبر تعالى أنه يعلم ما يسرون، وضمنه الوعيد لهم، والإخبار بعلمه تعالى. وفيه التنبيه على نفي هذه الصفة الشريفة عن آلهتهم.

وقرأ الجمهور: بالتاء من فوق في تسرون وتعلنون وتدعون، وهي قراءة: مجاهد، والأعرج، وشيبة، وأبي جعفر، وهبيرة، عن عاصم على معنى: قل لهم. وقرأ عاصم في مشهوره: يدعون بالياء من تحت، وبالتاء في السابقتين. وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله: يعلم الذي يبدون وما يكتمون، وتدعون بالتاء من فوق في الثلاثة.

السابقالتالي
2 3