الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

لما ذكر تعالى الاستدلال بما ذرأ في الأرض، ذكر ما امتن به من تسخير البحر. ومعنى تسخيره: كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح، وللغوص في استخراج ما فيه، وللاصطياد لما فيه. والبحر جنس يشمل الملح والعذب، وبدأ أولاً من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل، ومنه على حذف مضاف أي: لتأكلوا من حيوانه طرياً، ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان، ونبه على غاية الحلية وهو اللبس. وفيه منافع غير اللبس، فاللحم الطري من الملح والعذب، والحلية من الملح. وقيل: إنّ العذب يخرج منه لؤلؤ لا يلبس إلا قليلاً وإنما يتداوى به، ويقال: إنّ في الزمرد بحرياً، فأما لتأكلوا فعام في النساء والرجال، وأما تلبسونها فخاص بالنساء. والمعنى: يلبسها نساؤكم. وأسند اللبس إلى الذكور، لأنّ النساء إنما يتزيَّن بالحلية من أجل رجالهن، فكأنها زينتهم ولباسهم. ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه والاستخراج للحلية، ذكر نعمة تصرف الفلك فيه ماخرة أي: شاقة فيه، أو ذات صوت لشق الماء لحمل الأمتعة والأقوات للتجارة وغيرها، وأسند الرؤية إلى المخاطب المفرد فقال: وترى، وجعلها جملة معترضة بين التعليلين: تعليل الاستخراج، وتعليل الابتغاء، فلذلك عدل عن جمع المخاطب، والظاهر عطف، ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه. وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفاً على علة محذوفة أي: لتبتغوا بذلك. ولتبتغوا، وأن يكون على إضمار فعل أي: وفعل ذلك لتبتغوا. والفضل هنا حصول الأرباح بالتجارة، والوصول إلى البلاد الشاسعة، وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر. ولعلكم تشكرون، على ما منحكم من هذه النعم. قيل: خلق الله الأرض فجعلت تمور فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت بالجيال، لم تدر الملائكة مم خلقت. وعطف وأنهاراً على رواسي. ومعنى ألقى: جعل، ألا ترى إلى قوله:ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً } [النبأ: 7] وقوله: وجعل فيها رواسي، من فوقها. وقال { وألقيت عليك محبة مني } أي: جعلت. وقال ابن عطية: قال المتأولون: ألقى بمعنى خلق وجعل، وهي عندي أخص من خلق وجعل، وذلك أن ألقى يقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن، عن قيس بن عباد: أنّ الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور إلى آخر الكلام السابق، وهو أيضاً مروي عن وهب بن منبه. وقال ابن عطية أيضاً: وقوله: وأنهاراً، منصوب بفعل مضمر تقديره: وجعل، أو خلق أنهاراً. أو إجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى، ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار انتهى.

السابقالتالي
2 3