الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

لما ذكر تعالى نسبتهم إلى الافتراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنّ ما أتى به من عند الله إنما يعلمه إياه بشر، كان ذلك تسجيلاً عليهم بانتفاء الإيمان، فأخبر تعالى عنهم أنهم لا يهديهم الله أبداً إذ كانوا جاحدين آيات الله، وهو ما أتى به الرسول من المعجزات وخصوصاً القرآن، فمن بالغ في جحد آيات الله سد الله عليه باب الهداية. وذكر تعالى وعيده بالعذاب الأليم لهم، ومعنى لا يهديهم: لا يخلق الإيمان في قلوبهم. وهذا عام مخصوص، فقد اهتدى قوم كفروا بآيات الله تعالى. وقال الزمخشري: لا يهديهم الله لا يلطف بهم، لأنهم من أهل الخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة، لا من أهل اللطف والثواب انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وقال ابن عطية: المفهوم من الوجود أنّ الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بآياته، ولكنه قدم في هذا الترتيب وأخبرتهما بتقبيح فعلهم والتشنيع بخطئهم، وذلك كقوله:فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } [الصف: 5] والمراد ما ذكرناه، فكأنه قال: إن الذين لم يؤمنوا لم يهدهم الله انتهى. وقال القاضي: أقوى ما قيل في ذلك لا يهديهم إلى طريق الجنة، ولذلك قال بعده: ولهم عذاب أليم، والمراد أنهم لما تركوا الإيمان بالله لا يهديهم الله إلى الجنة بل يسوقهم إلى النار. وقال العسكري: يجوز أن يكون المعنى أنهم إن لم يؤمنوا بهذه الآيات لم يهتدوا، والمراد بقوله: لا يهديهم الله أي لا يهتدون، وإنما يقال: هدى الله فلاناً على الإطلاق إذا اهتدى هو، وأما من لم يقبل الهدى فإنه يقال: إن الله هداه فلم يهتد، كما قال:وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } [فصلت: 17] ثم ردّ تعالى قولهم:إنما أنت مفتر } [النحل: 101] بقوله: إنما يفتري الكذب، أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن، لأنه يترقب عقاباً عليه. ولما كان في كلامهم إنما وهو يقتضي الحصر عند بعضهم، جاء الرد عليهم بإنما أيضاً، وجاء بلفظ يفتري الذي يقتضي التجدد، ثم علق الحكم على الوصف المقتضي للافتراء وهو: انتفاء الإيمان، وختم بقوله: وأولئك هم الكاذبون. فاقتضى التوكيد البالغ والحصر بلفظ الإشارة، والتأكيد بلفظ هم، وإدخال أل على الكاذبون، وبكونه اسم فاعل يقتضي الثبوت والدوام، فجاء يفتري يقتضي التجدد، وجاء الكاذبون يقتضي الثبوت والدوام. وقال الزمخشري: وأولئك إشارة إلى قريش هم الكاذبون، هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون. أو إلى الذين لا يؤمنون أي: وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب. أو أولئك هم الكاذبون عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء، لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين.

السابقالتالي
2 3 4 5