الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

الخفض مقابل الرفع، وهو كناية عن الإلانة والرفق. عضين: جمع عضة، وأصلها الواو والهاء يقال: عضيت الشيء تعضيه فرقته، وكل فرقة عضة، فأصله عضوة. وقيل: العضة في قريش السحر، يقولون للساحر: عاضه، وللساحرة: عاضهة. قال الشاعر:
أعوذ بربي من النافثات   في عقد العاضه المعضه
وفي الحديث: " لعن الله العاضهة والمستعضهة " وفسر بالساحر والمستسحرة، فأصله الهاء. وقيل: من العضه يقال: عضهه عضها، وعضيهة رماه بالبهتان. قال الكسائي: العضه الكذب والبهتان، وجمعها عضون. وذهب الفراء إلى أنّ عضين من العضاة، وهي شجرة تؤذي تخرج كالشوك. ومن العرب من يلزم الياء ويجعل الإعراب في النون فيقول: عضينك كما قالوا: سنينك، وهي كثيرة في تميم وأسد. الصدع: الشق، وتصدع القوم تفرقوا، وصدعته فانصدع أي شققته فانشق. وقال مؤرج: أصدع أفصل، وقال ابن الأعرابي: أفصد.

{ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل. إن ربك هو الخلاق العليم. ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين. كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرآن عضين. فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلـهاً آخر فسوف يعلمون. ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }: إلا بالحق أي: خلقاً ملتبساً بالحق. لم يخلق شيء من ذلك عبثاً ولا هملاً، بل ليطيع من أطاع بالتفكر في ذلك الخلق العظيم، وليتذكر النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى. ولذلك نبه من يتنبه بقوله: وأن الساعة لآتية، فيجازي من أطاع ومن عصي. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصفح، وذلك يقتضي المهادنة، وهي منسوخة بآية السيف قاله قتادة. أو إظهار الحكم عنهم والإغضاء لهم.

ولما ذكر خلق السموات والأرض وما بينهما قال: إن ربك هو الخلاق، أتى بصفة المبالغة لكثرة ما خلق، أو الخلاق من شاء لما شاء من سعادة أو شقاوة. وقال الزمخشري: الخلاق الذي خلقك وخلقهم، وهو العليم بحالك وحالهم، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم. أو إنّ ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أنّ الصفح اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح. وقرأ زيد بن علي، والجحدري، والأعمش، ومالك بن دينار: هو الخالق، وكذا في مصحف أبي وعثمان، من المثاني.

والمثاني جمع مثناة، والمثنى كل شيء يثني أي: يجعل اثنين من قولك: ثنيت الشيء ثنياً أي عطفته وضممت آليه آخر، ومنه يقال لركبتي الدابة ومرفقيه: مثاني، لأنه يثني بالفخذ والعضد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7