الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } * { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } * { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ }

السرر: جمع سرير، ككليب وكلب. وبعض تميم يفتح الراء، وكذا كل مضاعفة فعيل. النصب: التعب.

{ إن المتقين في جنات وعيون. ادخلوها بسلام آمنين. ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سرر متقابلين. لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين. نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم }: لما ذكر تعالى ما أعد لأهل النار، ذكر ما أعد لأهل الجنة، ليظهر تباين ما بين الفريقين. ولما كان حال المؤمنين معتنى به، أخبر أنهم في جنات وعيون، جعل ما يستقرون فيه في الآخرة كأنهم مستقرون فيه في الدنيا، ولذلك جاء: ادخلوها على قراءة الأمر، لأنّ من استقر في الشيء لا يقال له: أدخل فيه. وجاء حال الغاوين موعوداً به في قوله:لموعدهم } [الحجر: 43] لأنهم لم يدخلوها. والعيون: جمع عين. وقرأ نافع، وأبو عمر، وحفص، وهشام: وعيون بضم العين، وباقي السبعة بكسرها. وقرأ الحسن: ادخلوها ماضياً مبنياً للمفعول من الإدخال. وقرأ يعقوب في رواية رويس كذلك، وبضم التنوين، وعنه فتحه. وما بعده أمر على تقدير: أدخلوها إياهم من الإدخال، أمر الملائكة بإدخال المتقين الجنة، وتسقط الهمزة في القراءتين. وقرأ الجمهور: ادخلوها أمر من الدخول. فعلى قراءتي الأمر، ثم محذوف أي: يقال لهم، أو يقال للملائكة. وبسلام في موضع نصب على الحال، واحتمل أن يكون المعنى: مصحوبين بالسلامة، وأن يكون المعنى: مسلماً عليكم أي: محيون، كما حكي عن الملائكة أنهم يدخلون على أهل الجنة يقولون: سلام عليكم.ونزعنا ما في صدورهم من غل } [الأعراف: 43] تقدم شرحه في الأعراف. قيل: وانتصب إخواناً على الحال، وهي حال من الضمير، والحال من المضاف إليه إذا لم يكن معمولا لما أضيف على سبيل الرفع أو النصب تندر، فلذلك قال بعضهم: إنه إذا كان المضاف جزأ من المضاف إليه كهذا، لأنّ الصدور بعض ما أضيفت إليه وكالجزء كقوله:واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } [النساء: 125] جاءت الحال من المضاف. وقد قررنا أنّ ذلك لا يجوز. وما استدلوا به له تأويل غير ما ذكروا، فتأويله هنا أنه منصوب على المدح، والتقدير: أمدح إخواناً. لما لم يمكن أن يكون نعتاً للضمير قطع من إعرابه نصباً على المدح، وقد ذكر أبو البقاء أنه حال من الضمير في الظرف في قوله: في جنات، وأن يكون حالاً من الفاعل في: ادخلوها، أو من الضمير في: آمنين.

ومعنى إخواناً: ذوو تواصل وتوادد. وعلى سرر متقابلين: حالان. والقعود على السرير: دليل على الرفعة والكرامة التامة كما قال: يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة. وعن ابن عباس: على سرر مكللة بالياقوت والزبرجد والدر.

السابقالتالي
2