الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور، وعن ابن عباس وقتادة، هي مكية إلا من قوله: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية إلى قولهإلى النار } [إبراهيم: 28 - 30] وارتباط أول هذه السورة بالسورة قبلها واضح جداً، لأنه ذكر فيها:ولو أن قرآناً } [الرعد: 31] ثموكذلك أنزلناه حكماً عربياً } [الرعد: 37] ثمومن عنده علم الكتاب } [الرعد: 43] فناسب هذا قوله الۤر كتاب أنزلناه إليك. وأيضاً فإنهم لما قالوا على سبيل الاقتراحلولا أنزل عليه آية من ربه } [يونس: 20] وقيل له:قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } [الرعد: 27] أنزل الۤر كتاب أنزلناه إليك كأنه قيل: أو لم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات هي الضلال، إلى النور وهو الهدى.

وجوزوا في إعراب الۤر أن يكون في موضع رفع بالابتداء، وكتاب الخبر، أو في موضع رفع على خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الۤر، وفي موضع نصب على تقدير: الزم أو اقرأ الۤر. وكتاب أنزلناه إليك جملة مفسرة في هذين الإعرابين، وكتاب مبتدأ. وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً في التقدير أي: كتاب أي: عظيم أنزلناه إليك. وجوزوا أن يكون كتاب خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب، وأنزلناه جملة في موضع الصفة. وفي قوله: أنزلناه. وإسناد الإنزال إلى نون العظمة ومخاطبته تعالى بقوله إليك، وإسناد الإخراج إليه عليه الصلاة والسلام، تنويه عظيم وتشريف له صلى الله عليه وسلم من حيث المشاركة في تحصيل الهداية بإنزاله تعالى، وبإخراجه عليه الصلاة والسلام، إذ هو الداعي والمنذر، وإن كان في الحقيقة مخترع الهداية هو الله تعالى. والناس عام، إذ هو مبعوث إلى الخلق كلهم، والظلمات والنور مستعاران للكفر والإيمان. ولما ذكر علة إنزال الكتاب وهي قوله: لتخرج قال: بإذن ربهم، أي: ذلك الإخراج بتسهيل مالكهم الناظر في مصالحهم، إذ هم عبيده، فناسب ذكر الرب هنا تنبيهاً على منة المالك، وكونه ناظراً في حال عبيدة. وبإذن ظاهره التعلق بقوله: لتخرج. وجوز أبو البقاء أن يكون بإذن ربهم في موضع الحال قال: أي مأذوناً لك. وقال الزمخشري: بإذن ربهم بتسهيله وتيسيره، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب، وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال.

والظاهر أن قوله: إن صراط، بدل من قوله إلى النور، ولا يضر هذا الفصل بين المبدل منه والبدل، لأنّ بإذن معمول للعامل في المبدل منه وهو لتخرج. وأجاز الزمخشري أن يكون إلى صراط على وجه الاستئناف، كأنه قيل: إلى أي نور، فقيل: إلى صراط العزيز الحميد. وقرىء: ليخرج مضارع خرج بالياء بنقطتين من تحتها، والناس رفع به.

السابقالتالي
2 3