الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

المصرخ: المغيث. قال الشاعر:
فلا تجزعوا إني لكم غير مصرخ   وليس لكم عني غناء ولا نصر
والصارخ المستغيث، صرخ يصرخ صرخاً وصراخاً وصرخة. قال سلامة بن جندل:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع   كان الصراخ له قرع الظنابيب
واصطرخ بمعنى صرخ، وتصرخ تكلف الصراخ، واستصرخ استغاث فقال: استصرخني فاصرخته والصريخ مصدر كالتريخ ويوصف به المغيث والمستغيث من الأضداد.

{ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم }: مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر محاورة الاتباع لرؤسائهم الكفرة، ذكر محاورة الشيطان وأتباعه من الإنس، وذلك لاشتراك الرؤساء والشياطين في التلبس بالإضلال. والشيطان هنا إبليس، وهو رأس الشياطين. وفي حديث الشفاعة من حديث عقبة بن عامر: «أن الكافرين يقولون: وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا، فيقولون: ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا، فإنّك أضللتنا، فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمه أحد ويقول عند ذلك: إن الله قد وعدكم» الآية. وعن الحسن: يقف إبليس خطيباً في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعاً فيقول: إنّ الله وعدكم وعد الحق، يعني: البعث، والجنة، والنار، وثواب المطيع، وعقاب العاصي، فصدقكم وعده، ووعدتكم أنْ لا بعث ولا جنة ولا نار، ولا ثواب ولا عقاب، فأخلفتكم. قضي الأمر تعين قوم للجنة وقوم للنار، وذلك كله في الموقف، وعليه يدل حديث الشفاعة أو بعد حصول أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، ويدل عليه ما ذكرناه عن الحسن، وهو تأويل الطبري. وقيل: قضي الأمر قطع وفرغ منه، وهو الحساب، وتصادر الفريقين إلى مقربهما. ووعد الحق يحتمل أن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي: الوعد الحق، وأن يكون الحق صفة الله أي: وعده، وأن يكون الحق الشيء الثابت وهو البعث والجزاء على الأعمال أي: فوفى لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم، وإلا أنّ دعوتكم الظاهر أنه استثناء منقطع، لأنّ دعاءه إياهم إلى الضلالة ووسوسته ليس من جنس السلطان، وهو الحجة البينة. قيل: ويحتمل أن يريد بالسلطان الغلبة والتسليط والقدرة أي: ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئاً فأتى رأيكم عليه. وقيل: هو استثناء متصل، لأنّ القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة يكون بالقهر من الحامل، وتارة يكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بإلقاء الوسواس إليه، فهذا نوع من أنواع التسليط.

السابقالتالي
2 3