الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }

القارعة: الرزية التي تقرع قلب صاحبها أي: تضربه بشدة، كالقتل، والأسر والنهب، وكشف الحريم. وقال الشاعر:
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه   ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
أي ضربنا بقوة. وقال الزجاج القارعة في اللغة النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم.

{ ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد. ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب }: قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: سير جبلي مكة فقد ضيقا علينا، واجعل لنا أرضاً قطعاً غراساً، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا، وفلاناً وفلاناً، فنزلت معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله. ولما ذكر تعالى علة إرساله، وهي تلاوة ما أوحاه إليه، ذكر تعظيم هذا الموحى وأنه لو كان قرآناً تسير به الجبال عن مقارها، أو تقطع به الأرض حتى تتزايل قطعاً قطعاً، أو تكلم به الموتى فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير، ونهاية في الإنذار والتخويف. كما قال:لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [الحشر: 21] الآية فجواب لو محذوف وهو ما قدرناه، وحذف جواب لو لدلالة المعنى عليه جائز نحو قوله تعالى:ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب } [البقرة: 165]ولو ترى إذ وقفوا على النار } [الأنعام: 27] وقال الشاعر:
وجدك لو شيء أتانا رسوله   سواك ولكن لم نجد عنك مدفعا
وقيل: تقديره لما آمنوا به كقوله تعالى:ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا } [الأنعام: 111] قال الزجاج. وقال الفراء: هو متعلق بما قبله، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن. ولو أن قرآناً سيرت به الجبال وما بينهما اعتراض، وعلى قول الفراء: يترتب جواب لو أن يكون لما آمنوا، لأنّ قولهم وهم يكفرون بالرحمن ليس جواباً، وإنما هو دليل على الجواب. وقيل: معنى قطعت به الأرض شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً. ويترتب على أن يكون الجواب المحذوف لما آمنوا قوله: بل لله الأمر جميعاً أي: الإيمان والكفر، إنما يخلقهما الله تعالى ويريدهما. وأما على تقدير لكان هذا القرآن، فيحتاج إلى ضميمة وهو أن يقدر: لكان هذا القرآن الذي أوحينا إليك المطلوب فيه إيمانهم وما تضمنه من التكاليف، ثم قال: بل لله الأمر جميعاً أي: الإيمان والكفر بيد الله يخلقهما فيمن يشاء. وقال الزمخشري: بل لله الأمر جميعاً على معنيين: أحدهما: بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها، إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة.

السابقالتالي
2 3 4