الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

الفند: الفساد، قال:
ألا سليمان إذ قال الإله له   قم في البرية فاحددها عن الفند
وفندت الرجل أفسدت رأيه ورددته قال:
يا عاذليّ دعا لومي وتفيدي   فليس ما قلت من أمر بمردود
وأفند الدهر فلاناً أفسده. قال ابن مقبل:
دع الدهر يفعل ما أراد فإنه   إذا كلف الإفناد بالناس أفندا
القديم: الذي مرت عليه أعصار، وهو أمر نسبي. البدو البادية وهي خلاف الحاضرة.

{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون. قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم. فلما أن جآء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون. قالوا يأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }: فصل من البلد يفصل فصولاً انفصل منه وجاوز حيطانه، وهو لازم. وفصل الشيء فصلاً فرق، وهو متعد. ومعنى فصلت العير: انفصلت من عريش مصر قاصدة مكان يعقوب، وكان قريباً من بيت المقدس. وقيل: بالجزيرة، وبيت المقدس هو الصحيح، لأنّ آثارهم وقبورهم هناك إلى الآن. وقرأ ابن عباس: ولما انفصل العير، قال ابن عباس: وجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام، هاجت ريح فحملت عرفه. وقال الحسن وابن جريج: من ثمانين فرسخاً، وكان مدة فراقه منه سبعاً وسبعين سنة. وعن الحسن أيضاً: وجده من مسيرة ثلاثين يوماً، وعنه: مسيرة عشر ليال. وعن أبي أيوب المهروي: أن الريح استأذنت في إيصال عرف يوسف إلى يعقوب، فأذن لها في ذلك. وقال مجاهد: صفقت الريح القميص فراحت روائح الجنة في الدنيا، واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص. ومعنى لأجد: لأشم فهو وجود حاسة الشم. وقال الشاعر:
وإني لأستشفي بكل غمامة   يهب بها من نحو أرضك ريح
ومعنى تفندون قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: تسفهون. وعن ابن عباس أيضاً: تجهلون، وعنه أيضاً: تضعفون. وقال عطاء وابن جبير: تكذبون. وقال الحسن: تهرمون. وقال ابن زيد، والضحاك ومجاهد أيضاً: تقولون ذهب عقلك وخرفت. وقال أبو عمرو: تقبحون. وقال الكسائي: تعجزون. وقال أبو عبيدة: تضللون. وقيل: تخطئون. وهذه كلها متقاربة في المعنى، وهي راجعة لاعتقاد فساد رأي المفند إما لجهله، أو لهوى غالب عليه، أو لكذبه، أو لضعفه وعجزه لذهاب عقله بهرمه. وقال منذر بن سعيد البلوطي: يقال شج مفند أي: قد فسر رأيه، ولا يقال: عجوز مفندة، لأن المرأة لم يكن لها رأي قط أصيل فيدخله التفنيد. وقال معناه الزمخشري قال: التفنيد النسبة إلى الفند وهو الخوف وإنكارالعقل، من هرم يقال: شيخ مفند، ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فنفند في كبرها، ولولا هنا حرف امتناع لوجود، وجوابها محذوف.

السابقالتالي
2 3