الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }

فتىء من أخوات كان الناقصة قال أوس بن حجر:
فما فتئت حي كان غبارها   سرادق بوم ذي رياح يرفع
وقال أيضاً:
فما فتئت خيل تثوب وتدعي   ويلحق منها لاحق وتقطع
ويقال فيها: فتأ على وزن ضرب، وأفتأ على وزن أكرم. وزعم ابن مالك أنها تكون بمعنى سكن وأطفأ، فتكون تامة. ورددنا عليه ذلك في شرح التسهيل، وبينا أن ذلك تصحيف منه. صحف الثاء بثلاث، بالتاء بثنتين من فوق، وشرحها بسكن وأطفأ. الحرض: المشفي على الهلاك يقال: حرض فهو حرض بكسر الراء، حرضاً بفتحها وهو المصدر، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وأحرضه المرض فهو محرض قال:
أرى المرء كالأزواد يصبح محرضا   كاحراض بكر في الديار مريض
وقال الآخر:
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني   حتى بليت وحتى شفني السقم
وقال: رجل حرض بضمتين كجنب وشلل.

{ وتولى عنهم وقال يأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون. يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }: وتولى عنهم أي أعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به، وأنه ساء ظنه بهم، ولم يصدق قولهم، وجعل يتفجع ويتأسف. قال الحسن: خصت هذه الأمة بالاسترجاع. ألا ترى إلى قول يعقوب: يا أسفي، ونادى الأسف على سبيل المجاز على معنى: هذا زمانك فاحضر. والظاهر أنه يضاف إلى ياء المتكلم قلبت ألفاً، كما قالوا: في يا غلامي يا غلاما. وقيل: هو على الندبة، وحذف الهاء التي للسكت. قال الزمخشري: والتجانس بين لفظتي الأسف ويوسف مما يقع مطبوعاً غير مستعمل فيملح ويبدع، ونحوه: اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم، وهم ينهون عنه وينأون عنه يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، من سبأ بنبإ انتهى. ويسمى هذا تجنيس التصريف، وهو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف. وذكر يعقوب ما دهاه من أمر بنيامين، والقائل لن أبرح الأرض فقدانه يوسف، فتأسف عليه وحده، ولم يتأسف عليهما، لأنه هو الذي لا يعلم أحيّ هو أم ميت؟ بخلاف أخوته. ولأنه كان أصل الرزايا عنده، إذ ترتبت عليه، وكان أحب أولاده إليه، وكان دائماً يذكره ولا ينساه. وابيضاض عينيه من توالي العبرة، فينقلب سواد العين إلى بياض كدر. والظاهر أنه كان عمي لقوله: فارتد بصيراً. وقال:وما يستوي الأعمى والبصير } [فاطر: 19] فقابل البصير بالأعمى. وقيل: كان يدرك ادراكاً ضعيفاً، وعلل الابيضاض بالحزن، وإنما هو من البكاء المتوالي، وهو ثمرة الحزن، فعلل بالأصل الذي نشأ منه البكاء وهو الحزن.

السابقالتالي
2