الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } * { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } * { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ }

الوعاء: الظرف الذي يحفظ فيه الشيء، وتضم واوه، ويجوز أن تبدل واوه همزة.

{ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعآء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم. قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون } قيل: قال لهم من وكل بهم: لا بد من تفتيش أوعيتكم، فانصرف بهم إلى يوسف، فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة، وتمكين الحيلة، وإبقاء ظهورها حتى بلغ وعاءه، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله ما تتركه حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فاستخرجوه منه.

وقرأ الحسن من وعاء بضم الواو، وجاء كذلك عن نافع. وقرأ ابن جبير: من إعاء بإبدال الواو المكسورة همزة كما قالوا: إشاح وإسادة في وشاح ووسادة، وذلك مطرد في لغة هذيل، يبدلون من الواو المكسورة الواقعة أولاً همزة، وأنث في قوله ثم استخرجها على معنى السقاية، أو لكون الصواغ يذكر ويؤنث. وقال أبو عبيد: يؤنث الصواع من حيث سمى سقاية، ويذكر من حيث هو صاع، وكان أبا عبيد لم يحفظ تأنيث الصواع. وقيل: الضمير في قوله: ثم استخرجها عائد على السرقة، كذلك أي مثل ذلك الكيد العظيم كدنا ليوسف يعني: علمناه إياه، وأوحينا به إليه. وقال الضحاك، والسدي: كدنا صنعنا. قال ابن عطية: وأضاف الله تعالى الكيد إلى ضميره، لما أخرج القدر الذي أباح ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتياد الناس كيد. وفسر ابن عباس في دين الملك بسلطانه، وفسره قتادة بالقضاء والحكم انتهى. وقال الزمخشري: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك تفسير للكيد وبيان له، لأنه كان في دين ملك مصر، وما كان يحكم به في السارق أن يغرم مثلي ما أخذ إلا أن يلزم ويستعبد، إلا أن يشاء الله، إلا بمشيئته وإذنه. وقال ابن عطية: والاستثناء حكاية حال التقدير: إلا أن يشاء الله ما وقع من هذه الحيلة انتهى. والذي يظهر أنه استثناء منقطع أي: لكن بمشيئة الله أخذه في دين غير الملك، وهو دين آل يعقوب: أنّ الاسترقاق جزاء السارق.

وقرأ الكوفيون، وابن محيصن: نرفع بنون درجات منوناً من نشاء بالنون، وباقي السبعة كذلك، إلا أنهم أضافوا درجات. وقرأ يعقوب بالياء في يرفع، ويشاء أي: يرفع الله درجات من يشاء رفع درجاته. وقرأ عيسى البصرة: نرفع بالنون درجات منوناً من يشاء بالياء. قال صاحب اللوامح: وهذه قراءة مرغوب عنها تلاوة وجملة، وإن لم يمكن إنكارها.

السابقالتالي
2 3 4