الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }

السمن: معروف وهو مصدر سمن يسمن، واسم الفاعل سمين، والمصدر واسم الفاعل على غير قياس. العجفاء: المهذولة جداً قال:
ورجـال مكـة مستنـون عجـاف   
الضغث أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب من جنس واحد أو، من أخلاط النبات والعشب فمن جنس واحد ما روي في قوله: { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به } إنه أخذ عثكالاً من النخل. وروي أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في إقامة حد على رجل. وقال ابن مقبل:
خود كأن راشها وضعت به   أضغاث ريحان غداة شمال
ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها: ضغث على إمالة.

{ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون. قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين }: لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى ملك مصر الرّيان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، فرأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس، وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان. ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها. أرى: يعني في منامه، ودل على ذلك: أفتوني في رؤياي. وأرى حكاية حال، فلذلك جاء بالمضارع دون رأيت. وسمان صفة لقوله: بقرات، ميز العدد بنوع من البقرات وهي السمان منهن لا يحسنهن. ولو نصب صفة لسبع لكان التمييز بالجنس لا بالنوع، ويلزم من وصف البقرات بالسمن وصف السبع به، ولا يلزم من وصف السبع به وصف الجنس به، لأنه يصير المعنى سبعاً من البقرات سماناً. وفرق بين قولك: عندي ثلاث رجال كرام، وثلاثة رجال كرام، لأن المعنى في الأول ثلاثة من الرجال الكرام، فيلزم كرم الثلاثة لأنهم بعض من الرجال الكرام. والمعنى في الثاني: ثلاثة من الرجال كرام، فلا يدل على وصف الرجال بالكرم. ولم يضف سبع إلى عجاف لأن اسم العدد لا يضاف إلى الصفة إلا في الشعر، إنما تتبعه الصفة. وثلاثة فرسان، وخمسة أصحاب من الصفات التي أجريت مجرى الأسماء. ودل قوله: سبع بقرات على أن السبع العجاف بقرات، كأنه قيل: سبع بقرات عجاف، أو بقرات سبع عجاف. وجاء جمع عجفاء على عجاف، وقياسه عجف كخضراء أو خضر، حملاً على سمان لأنه نقيضه. وقد يحمل النقيض على النقيض، كما يحمل النظير على النظير. والتقسيم في البقرات يقتضي التقسيم في السنبلات، فيكون قد حذف اسم العدد من قوله: وأخر يابسات، لدلالة قسميه وما قبله عليه، فيكون التقدير: وسبعاً أخر يابسات.

السابقالتالي
2