الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

المتكأ: الوسادة، والنمرقة. المتك: الأترج، والواحد متكة قال الشاعر:
فـاهـدت متكـة لهـي أبيهـا   
وقيل: اسم يعم جميع ما يقطع بالسكين الأترج وغيره من الفواكه. قال:
يشرب الإثم بالصواع جهاراً   ونرى المتك بيننا مستعارا
وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه. وقال صاحب اللوامح: المتك بالضم عند الخليل العسل، وعند الأصمعي الأترج. وقال أبو عمر: والشراب الخالص. وقال أبو عمر: وفيه ثلاث لغات، المتك بالحركات الثلاث، وقيل: بالكسر الخلال، وقيل: بل المسك. وقال الكسائي أيضاً: فيه اللغات الثلاث، وقد يكون بالفتح المجمر عند قضاعة. وقال أيضاً: قد يكون في اللغات الثلاث الفالوذ المعقد. وقال الفضل: في اللغات الثلاث هو البزماورد، وكل ملفوف بلحم ورقاق. وقال أيضاً: المتك بالضم المائدة، أو الخمر في لغة كندة. السكين: تذكر وتؤنث، قاله الفراء والكسائي. ولم يعرف الأصمعي فيه إلا التذكير. حاش: قال الفراء من العرب من يتمها، وفي لغة الحجاز: حاش لك، وبعض العرب: حشى زيد كأنه أراد حشى لزيد، وهي في أهل الحجاز انتهى. وقال الزمخشري: حاشى كلمة تفيد معنى التنزيه في الاستثناء، تقول: أساء القوم حاشى زيد. قال:
حاشى أبي ثوبان أن لنا   ضنا عن الملحاة والشتم
وهي حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى حاش الله: براءة الله، وتنزيه الله انتهى. وما ذكر أنها تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء غير معروف عند النحويين، لا فرق بين قولك: قام القوم إلا زيداً، وقام القوم حاشى زيد. ولما مثل بقوله أساء القوم حاشى زيد، وفهم من هذا التمثيل براءة زيد من الإساءة، جعل ذلك مستفاداً منها في كل موضع. وأما ما أنشده من قوله: حاشى أبي ثوبان، فكذا ينشده ابن عطية، وأكثر النحاة. وهو بيت ركبوا فيه صدر بيت على عجز آخر، وهما من بيتين وهما:
حاشى أبي ثوبان أن أبا   ثوبان ليس ببُكْمَة فدْمِ
عمرو بن عبد الله إن به   ضنًّا عن الملحاة والشتَم
{ فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهنّ متكئاً وآتت كل واحدة منهنّ سكيناً وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم }: روي أن تلك المقالة الصادرة عن النسوة إنما قصدن بها المكر بامرأة العزيز ليغضبنها حتى تعرض عليهن يوسف ليبين عذرها، أو يحق لومها ومكرهن هو اغتيابهن إياها، وسوء مقالتهن فيها أنها عشقت يوسف. وسمي الاغتياب مكراً، لأنه في خفية وحال غيبة، كما يخفي الماكر مكره. وقيل: كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها، أرسلت إليهن ليحضرن. قيل: دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات. والظاهر عود الضمير على تلك النسوة القائلة ما قلن عنها.

السابقالتالي
2 3 4 5