الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

المراودة الطلب برفق ولين القول، والرود التأني يقال: أرودني أمهلني، والريادة طلب النكاح. ومشى رويداً أي برفق أغلق الباب وأصفده وأقفله بمعنى. وقال الفرزدق:
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها   حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
هيت اسم فعل بمعنى أسرع.

{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون. ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين }: المراودة: المطالبة برفق، من راد يرود إذا ذهب وجاء، وهي مفاعلة من واحد نحو: داويت المريض، وكنى به عن طلب النكاح والمخادعة لأجله. كان المعنى وخادعته عن نفسه، ولذلك عداه بعن. وقال التي هو في بيتها، ولم يصرح باسمها، ولا بامرأة العزيز، ستراً على الحرم. والعرب تضيف البيوت إلى النساء فتقول: ربة البيت، وصاحبة البيت قال الشاعر:
يـا ربـة البيت قومي غيـر صاغـرة   
وغلقت الأبواب هو تضعيف تكثير بالنسبة إلى وقوع الفعل بكل باب باب. قيل: وكانت سبعة أبواب هيت اسم فعل بمعنى أسرع. ولك للتبيين أي: لك أقول، أمرته بأن يسرع إليها. وزعم الكسائي والفراء أنها لغة حورانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلموا بها ومعناها: تعال، وقاله عكرمة. وقال أبو زيد: هي عبرانية. هيتلخ أي تعاله فأعربه القرآن، وقال ابن عباس والحسن: بالسريانية، وقال السدي: بالقبطية هلمّ لك، وقال مجاهد وغيره: عربية تدعوه بها إلى نفسها، وهي كلمة حث وإقبال انتهى. ولا يبعد اتفاق اللغات في لفظ، فقد وجد ذلك في كلام العرب مع لغات غيرهم. وقال الجوهري: هوت وهيت به صاح به فدعاه، ولا يبعد أن يكون مشتقاً من اسم الفعل، كما اشتقوا من الجمل نحو سبح وحمدك. ولما كان اسم فعل لم يبرز فيه الضمير، بل يدل على رتبة الضمير بما يتصل باللام من الخطاب نحو: هيت لك، وهيت لك، وهيت لكما، وهيت لكم، وهيت لكن. وقرأ نافع، وابن ذكوان، والأعرج، وشيبة، وأبو جعفر: هيت بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وفتح التاء، والحلواني عن هشام كذلك إلا أنه همز وعلى، وأبو وائل، وأبو رجاء، ويحيـى، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وطلحة، والمقري، وابن عباس، وأبو عامر في رواية عنهما، وأبو عمرو في رواية وهشام في رواية كذلك، إلا أنهم ضموا التاء. وزيد بن عليّ وابن أبي إسحاق كذلك، إلا أنهما سهلا الهمزة. وذكر النحاس: أنه قرىء بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة، وكسر التاء. وقرأ ابن كثير وأهل مكة: بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء، وباقي السبعة أبو عمرو، والكوفيون، وابن مسعود، والحسن، والبصريون، كذلك، إلا أنهم فتحوا التاء.

السابقالتالي
2 3 4