الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } * { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

الكذب بالدال المهملة الكدر، وقيل: الطري. سول من السول، ومعناه سهل، وقيل: زين. أدلى الدلو أرسلها ليملأها، ولادها يدلوها جذبها وأخرجها من البئر. قال: لا تعقلوها وادلوها دلواً. والدلو معروف، وهي مؤنثة فتصغر على دليته، وتجمع على أدل ودلاء ودلى. البضاعة: القطعة من المال تجعل للتجارة، من بضعته إذا قطعته، ومنه المبضع.

{ فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هـذا وهم لا يشعرون. وجاؤوا أباهم عشاء يبكون. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هـذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون }: حكي أنهم قالوا ليوسف: اطلب من أبيك أن يبعثك معنا، فأقبل على يوسف فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم. قال يعقوب: إذا كان غداً أذنت لك، فلما أصبح يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته، وخرج مع أخوته فشيعهم يعقوب وقال: يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي يوسف، ثم أقبل على يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال: استودعتك الله رب العالمين، وانصرف. فحملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدوا معهم إضراراً به. وذكر المفسرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر، وهم لا يزدادون إلا قساوة. ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها، فيوقف عليها في كتب التفسير. وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره: فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف، فلما ذهبوا به وأجمعوا أي: عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب، وأن يجعلوه مفعول أجمعوا، يقال: أجمع الأمر وأزمعه بمعنى العزم عليه، واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء، وبمعنى التصيير. واختلفوا في جواب لمّا أهو مثبت؟ أو محذوف؟ فمن قال: مثبت، قال: هو قولهم قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي: لما كان كيت وكيت، قالوا وهو تخريج حسن. وقيل: هو أوحينا، والواو زائدة، وعلى هذا مذهب الكوفيين يزاد عندهم بعد لما، وحتى إذا. وعلى ذلك خرجوا قوله: فلما أسلما وتله للجيين وناديناه أي: ناديناه وقوله: حتى إذا جاؤوها وفتحت أي: فتحت. وقول امرىء القيس:
فلما أحربا سـاحـة الحـي وانتحى   
أي: انتحى. ومن قال: هو محذوف، وهو رأي البصريين، فقدره الزمخشري: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به، وما حاوروه وحاورهم به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6