الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ }



ارتعى افتعل من الرعي بمعنى المراعاة وهي الحفظ للشيء، أو من الرعي وهو أكل الحشيش والنبات، يقال: رعت الماشية الكلأ ترعاه رعياً أكلته، والرعي بالكسر الكلأ، ومثله ارتعى. قال الأعشى:
ترتعي السفح فالكثيب فذا قا   ر فروض القطا فذات الرمال
رتع أقام في خصب وتنعم، ومنه قول الغضبان بن القبعثري: القيد، والمتعة، وقلة الرتعة. وقول الشاعر:
أكفراً بعد رد الموت عني   وبعد عطائك المائة الرتاعا
الذئب: سبع معروف، وليس في صقعنا الأندلسي، ويجمع على أذؤب وذئاب وذؤبان قال:
وأزور يمطو في بلاد بعيدة   تعاوى به ذؤبانه وثعالبه
وأرض مذأبة كثيرة الذئاب، وتذاءبت الريح جاءت من هنا ومن هنا، فعل الذئب ومنه الذؤابة من الشعر لكونها تنوس إلى هنا وإلى هنا.

{ قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون. قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون }: لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه، أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب، إذ هو مما يشرح الصبيان، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه. وفي قولهم: ما لك لا تأمنا، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أنْ يخرج معهم، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي: لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا؟ والنصح دليل على الأمانة، ولهذا قرنا في قوله: ناصح أمين، وكان قد أحس منهم قبل ما أوجب أنْ لا يأمنهم عليه. ولا تأمنا جملة حالية، وهذا الاستفهام صحبة التعجب.

وقرأ زيد بن علي، وأبو جعفر، والزهري، وعمرو بن عبيد: بإدغام نون تأمن في نون الضمير من غير إشمام ومجيئه بعد مالك، والمعنى: يرشد إلى أنه نفي لا نهي، وليس كقولهم: ما أحسننا في التعجب، لأنه لو أدغم لالتبس بالنفي. وقرأ الجمهور: بالإدغام والإشمام للضم، وعنهم إخفاء الحركة، فلا يكون إدغاماً محضاً. وقرأ ابن هرمز: بضم الميم، فتكون الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتها، وإدغام النون في النون. وقرأ أبي، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش: لا تأمننا بالإظهار، وضم النون على الأصل، وخط المصحف بنون واحدة. وقرأ ابن وثاب، وأبو رزين: لا يتمنا على لغة تميم، وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب. وفي لفظة: أرسله، دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائماً. وانتصب غداً على الظرف، وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك.

السابقالتالي
2 3