الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

لما تقدم من قول يوسف عليه السلام:توفني مسلماً } [يوسف: 101] وكان قوله تعالى:وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } [يوسف: 103] دالاً على أنه حارص على إيمانهم، مجتهد في ذلك، داع إليه، مثابر عليه. وذكروما تسألهم عليه من أجر } [يوسف: 104] أشار إلى فيهم من ذلك وهو شريعة الإسلام والإيمان، وتوحيد الله. فقال: قل يا محمد هذا الطريقة والدعوة طريقي التي سلكتها وأنا عليها، ثم فسر تلك السبيل فقال: أدعو إلى الله يعني: لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم، إنما دعائي إلى الله وحده. قال ابن عباس: سبيلي أي دعوتي. وقال عكرمة: صلاتي، وقال ابن زيد: سنتي، وقال مقاتل والجمهور: ديني.

وقرأ عبد الله: قل هذا سبيلي على التذكير. والسبيل يذكر ويؤنث، ومفعول أدعو هو محذوف تقديره: أدعو الناس. والظاهر تعلق على بصيرة بأدعو، وإنا توكيد للضمير المستكن في ادعو، ومن معطوف على ذلك الضمير والمعنى: أدعو أنا إليها من اتبعني. ويجوز أن يكون على بصيرة خبراً مقدماً، وأنا مبتدأ، ومن معطوف عليه. ويجوز أن يكون على بصيرة حالاً من ضمير ادعو، فيتعلق بمحذوف، ويكون أنا فاعلاً بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف، ومن اتبعني معطوف على أنا. وأجاز أبو البقاء أن يكون: ومن اتبعني مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي: داع إلى الله على بصيرة. ومعنى بصيرة حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله:قد جاءكم بصائر من ربكم } [الأنعام: 104] وسبحان الله داخل تحت قوله قل: أي قل، وتبرئة الله من الشركاء أي: براءة الله من أن يكون له شريك. ولما أمر بأن يخبر عن نفسه أنه يدعو هو ومن اتبعه إلى الله، وأمر أن يخبر أنه ينزه الله عن الشركاء، أمر أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك، وأنه ليس ممن أشرك. وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منهم، ولا في وقت من الأوقات. إلا رجالاً حصر في الرسل دعاة إلى الله، فلا يكون ملكاً. وهذا رد على من قال:لو شاء ربنا لأنزل ملائكة } [فصلت: 14] وكذلك قال:ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } [الأنعام: 90] وقال ابن عباس: يعني رجالاً لا نساء، فالرسول لا يكون امرأة، وهل كان في النساء نبية فيه خلاف؟ والنبي أعم من الرسول، لأنه منطلق على من يأتيه الوحي سواء أرسل أو لم يرسل، قال الشاعر في سجاح المتنبئة:
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها   ولم تزل أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم   على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت   أصداؤه ماء مزن أينما كانا

السابقالتالي
2 3 4