الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

والفلق: الصبح، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد، وفي المثل: هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح، وقال الشاعر:
يا ليلة لم أنمها بت مرتقباً   أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي:
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق   هاديه في أخريات الليل منتصب
وقيل: الفلق: كلما يفلقه الله تعالى، كالأرض والنبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين: الفلق: جب في جهنم، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لما اطمأن من الأرض الفلق، وجمعه فلقان. وقيل: واد في جهنم. وقال بعض الصحابة: بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره.

وقرأ الجمهور: { من شر ما خلق } ، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد: من شر بالتنوين. وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر: من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل،الله خالق كل شيء } [الزمر: 62]، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون { ما خلق } بدلاً من { شر } على تقدير محذوف، أي من شرّ شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولاً ثم عمّ ثانياً. والغاسق: الليل، ووقب: أظلم ودخل على الناس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال: والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى:إلى غسق الليل } [الإسراء: 78] ومنه: غسقت العين: امتلأت دمعاً، وغسقت الجراحة: امتلأت دماً، ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء، انتهى. وقال الزجاج: هو الليل لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر:
يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقاً   إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا
وقال محمد بن كعب: النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب: المراد بالغاسق: الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره: هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث: " نظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: يا عائشة، نعوذ بالله من هذا، فإنه الفاسق إذا وقب " وعنه صلى الله عليه وسلم: " الغاسق النجم " وقال ابن زيد عن العرب: الغاسق: الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك.

السابقالتالي
2