الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } * { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ }

الورد قال ابن السكيت: هو ورود القوم الماء، والورد الإبل الواردة انتهى. فيكون مصدراً بمعنى الورود، واسم مفعول في المعنى كالطحن بمعنى المطحون.

رفد الرجل يرفده رفاً ورفداً أعطاه وأعانه، من رفد الحائط دعمه، وعن الأصمعي الرفد بالفتح القدح، والرفد بالكسر ما في القدح من الشراب. وقال الليث: أصل الرفد العطاء والمعونة، ومنه رفادة قريش يقال رفده يرفده رفداً ورفداً بكسر الراء وفتحها، ويقال بالكسر الاسم وبالفتح المصدر.

{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود. وأتبعوا في هـذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود }: الآيات المعجزات التسع: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ومنهم من أبدل النقص بإظلال الجبل. وقيل: الآيات التوراة، وهذا ليس بسديد، لأنه قال إلى فرعون وملائه، والتوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملائه. والسلطان المبين هو الحجج الواضحة، ويحتمل أن يريد بقوله: وسلطان مبين فيها أي في الآيات، وهي دالة على صدق موسى عليه السلام. ويحتمل أن يريد بها العصا لأنها أبهر تلك الآيات، فنص عليها كما نص على جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة على سبيل التشريف بالذكر. والظاهر أن يراد بقوله: أمر فرعون أمره إياهم بالكفر وجحد معجزات موسى، ويحتمل أن يريد الطريق والشان. وما أمر فرعون برشيد: نفى عنه الرشد، وذلك تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل. وذلك أنه ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم. عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام، وعلموا أن معه الرشد والحق، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في اتباعه رشد. ويحتمل أن يكون رشيد بمعنى راشد، ويكون رشيد بمعنى مرشد أي بمرشد إلى خير. وكان فرعون دهرياً نافياً للصانع والمعاد، وكان يقول: لا إله للعالم، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم، فلذلك كان أمره خالياً عن الرشد بالكلية. والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى، والغي ضده. ويقال: قدم زيد القوم يقدم قدماً، وقدوماً تقدمهم والمعنى: أنه يقدم قومه المغرقين إلى النار، وكما كان قدوة في الضلال متبعاً كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، ويحتمل أن يكون قوله: برشيد بحميد، العاقبة، ويكون قوله: يقدم قومه، تفسيراً لذلك وإيضاحاً أي: كيف يرشد أمر من هذه عاقبته؟ وعدل عن فيوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة، فكأنه قد وقع، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف. أو هو ماض حقيقة أي: فأوردهم في الدنيا النار أي: موجبه وهو الكفر.

السابقالتالي
2