الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

سرى وأسرى بمعنى واحد قاله أبو عبيدة والأزهري، وعن الليث أسرى سار أول الليل، وسرى سار آخره، ولا يقال في النهار إلا سار. السجيل والسجين الشديد من الحجر قاله أبو عبيدة. وقال الفراء: طين طبخ حتى صار بمنزلة الآجر. وقيل: هو فارسي، وسنك الحجر، وكل الطين يعرب فقيل: سجين. المنضود: المجعول بعضه فوق بعض.

{ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد }: روي أن لوطاً عليه السلام غلبوه، وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قال له الرسل: تنح عن الباب فتنحى، وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السلام بجناحه، فطمس أعينهم وعموا، وانصرفوا على أعقابهم يقولون: النجاة النجاة، فعند لوط قوم سحرة وتوعدوا لوطاً، فحينئذ قالوا له: إنا رسل ربك. وروي أن جبريل نقب من خصاص الباب، ورمى في أعينهم فعموا. وقيل: أخذ قبضة من تراب وأذراها في وجوههم، فأوصل إلى عين من بعد ومن قرب من ذلك التراب، فطمست أعينهم فلم يعرفوا طريقاً ولم يهتدوا إلى بيوتهم. وقيل: كسروا بابه وتهجموا عليه، ففعل بهم جبريل ما فعل. والجملة من قوله: لن يصلوا إليك، موضحة للذي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لن يصلوا إليه، ولم يقدروا على ضرره، ثم أمروه بأنْ يسري بأهله. وقرأ الحرميان: فاسر، وان أسر بوصل الألف من سرى، وباقي السبعة بقطعها، وأهله ابنتاه، وطائفة يسيرة من المؤمنين بقطع من الليل. قال ابن عباس: بطائفة من الليل، وقال الضحاك: ببقية من آخره، وقال قتادة: بعد مضي صدر منه، وقال ابن الأعرابي: أي ساعة من الليل، وقيل: بظلمة، وقيل: إنه نصف، وقيل: إنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين. وقال الشاعر:
ونائحة تنوح بقطع ليل   على رجل بقارعة الصعيد
وقال محمد بن زياد: السحر، لقوله: نجيناهم بسحر. قال ابن عطية: ويحتمل أنه أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع، ووقعت نجاته بسحر. فتجتمع هذه الآية مع قولهإلا آل لوط نجيناهم بسحر } [القمر: 34] انتهى.

وقال ابن الأنباري: القطع بمعنى القطعة، مختص بالليل، ولا يقال عندي قطع من الثوب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك بالرفع، وباقي السبعة بالنصب، فوجه النصب على أنه استثناء من قوله بأهلك، إذ قبله أمر، والأمر عندهم كالواجب. ويتعين النصب على الاستثناء من أهلك في قراءة عبد الله، إذ سقط في قراءته وفي مصحفه: ولا يلتفت منكم أحد.

السابقالتالي
2 3 4