الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

لما ذكر تعالى ما يدل على كونه تعالى عالماً، ذكر ما يدل على كونه قادراً، وتقدّم تفسير الجملة الأولى في سورة يونس. والظاهر أنّ قوله: وكان عرشه على الماء، تقديره قبل خلق السموات والأرض، وفي هذا دليل على أنّ الماء والعرش كانا مخلوقين قبل. قال كعب: خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء. وروي عن ابن عباس أنه وقد قيل له: على أي شيء كان الماء؟ قال: كان على متن الريح، والظاهر تعليق ليبلوكم بخلق. قال الزمخشري: أي خلقهن لحكمة بالغة، وهي أنْ يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم فعل الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه. ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: ليبلوكم، يريد ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون. (فإن قلت): كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ (قلت): لما في الاختبار من معنى العلم، لأنه طريق الله، فهو ملابس له كما تقول: انظر أيهم أحسن وجهاً، واستمع أيهم أحسن صوتاً، لأنّ النظر والاستماع من طرق العلم انتهى. وفي قوله: ومن كفر وعصى عاقبه، دسيسة الاعتزال. وأما قوله: واستمع أيهم أحسن صوتاً، فلا أعلم أحداً ذكر أن استمع تعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب سل وانظر، وفي جواز تعليق رأي البصرية خلاف. وقيل: ليبلوكم متعلق بفعل محذوف تقديره أعلم بذلك ليبلوكم، ومقصد هذا التأويل أن هذه المخلوقات لم تكن بسبب البشر. وقيل: تقدير الفعل، وخلقكم ليبلوكم. وقيل: في الكلام جمل محذوفة، التقدير: وكان خلقه لهما لمنافع يعود عليكم نفعها في الدنيا دون الأخرى، وفعل ذلك ليبلوكم. ومعنى أيكم أحسن عملاً: أهذا أحسن أم هذا. قال ابن بحر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أيكم أحسن عقلاً، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله " ولو صح هذا التفسير عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنه. وقال الحسن: أزهد في الله. وقال مقاتل: أتقى لله. وقال الضحاك: أكثركم شكراً.

قال الزمخشري: (فإن قلت): فكيف قيل: أيكم أحسن عملاً وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتهما إلى حسن وقبيح؟ (قلت): الذين هم أحسن عملاً هم المتقون، وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو غرض الله منن عباده، فخصهم بالذكر، واطرح ذكر من وراءهم تشريفاً لهم وتنبيهاً على مكانهم، وليكون ذلك تيقظاً للسامعين وترغيباً في حيازة فضلهم انتهى. ولئن قلت، خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وقرأ عيسى الثقفي: ولئن قلت بضم التاء إخباراً عنه تعالى، والمعنى: ولئن قلت مستدلاً على البعث من بعد الموت، إذ في قوله تعالى: وهو الذي خلق، دلالة على القدرة: العظيمة، فمتى أخبر بوقوع ممكن وقع لا محالة، وقد أخبر بالبعث فوجب قبوله وتيقن وقوعه.

السابقالتالي
2