الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ }

تقدم الكلام في أرأيتم في قصة نوح، والمفعول الثاني هنا لأرأيتم محذوف يدل عليه قوله: فمن ينصرني من الله إن عصيته، والتقدير: أعصيه في ترك ما أنا عليه من البينة. وقال ابن عطية: أرأيتم هو من رؤية القلب، والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي علمت وأخواتها، وإدخال أداة الشرط التي هي إن على جملة محققة، وهي كان على بينة من ربه، لكنه خاطب الجاحدين للبينة فكأنه قال: قدروا أني على بينة من ربي وانظروا إنْ تابعتكم وعصيت ربي في أوامره، فمن يمنعني من عذابه؟ قال ابن عطية: وفي الكلام محذوف تقديره: أيضرني شككم، أو أيمكنني طاعتكم، ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية انتهى. وهذا التقدير الذي قدره استشعار منه بالمفعول الثاني الذي يقتضيه أرأيتم، وأن الشرط وجوابه لا يقعان ولا يسدان مسد مفعولي أرأيتم، والذي قدرناه نحن هو الظاهر لدلالة قوله: فمن ينصرني من الله إن عصيته، فما تزيدونني غير تخسير. قال الزمخشري: غير أن أخسركم أي أنسبكم إلى الخسران، وأقول أنكم خاسرون انتهى. يفعل هذا للنسبة كفسقته وفجرته أي: نسبته أي الفسق والفجور. قال ابن عباس: معناه ما تزيدونني بعبادتكم إلا بصارة في خسرانكم انتهى. فهو على حذف مضاف أي: غير بصارة تخسيركم. وقال مجاهد: ما تزدادون أنتم باحتجاجكم بعبادة آبائكم إلا خساراً، وأضاف الزيادة إلى نفسه لأنهم أعطوه ذلك وكان سألهم الإيمان. وقال ابن عطية: فما تعطوني فيما اقتضيته منكم من الإيمان غير تخسير لأنفسكم، وهو من الخسارة وليس التخسير إلا لهم، وفي حيزهم، وأضاف الزيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكل بإيمانهم كما تقول لمن توصيه: أنا أريدك خيراً وأنت تريدني سوءاً، وكان الوجه البين أن يقول: وأنت تريد شراً، لكن من حيث كنت مريد خير، ومقتضى ذلك حسن أن يضيف الزيادة إلى نفسك انتهى. وقيل: التقدير فما تحملونني عليه، غير أني أخسركم أي: أرى منكم الخسران. وقيل: التقدير تخسروني أعمالكم وتبطلونها. قيل وهذا أقرب، لأن قوله: فمن ينصرني من الله إن عصيته كالدلالة على أنه أراد إن اتبعتكم فيما أنتم عليه ودعوتموني إليه لم أزدد إلا خسراناً في الدين، فأصير من الهالكين الخاسرين. وانتصب آية على الحال، والخلاف في الناصب في نحو هذا زيد منطلقاً، أهو حرف التنبيه؟ أو اسم الإشارة؟ أو فعل محذوف؟ جاز في نصب آية ولكم في موضع الحال، لأنه لو تأخر لكان نعتاً لآية، فلما تقدم على النكرة كان حالاً، والعامل فيها محذوف.

وقال الزمخشري: (فإن قلت): فبم يتعلق لكم؟ (قلت): بآية حالاً منها متقدمة، لأنها لو تأخرت لكان صفة لها، فلما تقدمت انتصب على الحال انتهى.

السابقالتالي
2