الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

تلطف نوح عليه السلام بندائه بقوله: ويا قوم، استدراجاً لهم في قبول كلامه، كما تلطف إبراهيم عليه السلام بقوله «يا أبت يا أبت» وكما تلطف مؤمن آل فرعون بقوله: « يا قوم يا قوم» والضمير في عليه عائد إلى الإنذار. وإفراد الله بالعبادة المفهوم من قوله لهم:إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلا الله } [هود: 2، 26] وقيل: على الدين، وقيل: على الدعاء إلى التوحيد، وقيل: على تبليغ الرسالة. وكلها أقوال متقاربة، والمعنى: إنكم وهؤلاء الذين اتبعونا سواء في أنّ أدعوكم إلى الله، وإني لا أبتغي عما ألقيه إليكم من شرائع الله مالاً، فلا يتفاوت حالكم وحالهم. وأيضاً فلعلهم ظنوا أنه يريد الاسترفاد منهم، فنفاه بقوله: لا أسألكم عليه مالاً إنْ أجري إلاّ على الله، فلا تحرموا أنفسكم السعادة الأبدية بتوهم فاسد. ثم ذكر أنه قام بهؤلاء وصف يجب العكوف عليهم به والانضواء معهم، وهو الإيمان فلا يمكن طردهم، وكانوا سألوا منه طرد هؤلاء المؤمنين رفعاً لأنفسهم من مساواة أولئك الفقراء. ونظير هذا ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرد أتباعه الذين لم يكونوا من قريش.

وقرىء: بطارد بالتنوين، قال الزمخشري: على الأصل يعني: أنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال أصله أن يعمل ولا يضاف، وهذا ظاهر كلام سيبويه. ويمكن أن يقال: إن الأصل الإضافة لا العمل، لأنه قد اعتوره شبهان أحدهما: شبه بالمضارع وهو شبهه بغير جنسه. والآخر شبه بالأسماء إذا كانت فيها الإضافة، فكان إلحاقه بجنسه أولى من إلحاقه بغير جنسه. إنهم ملاقوا ربهم: ظاهره التعليل لانتفاء طردهم، أي: إنهم يلاقون الله، أي: جزاءه، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد. وقال الزمخشري: معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي منهم، وما أعرف غيره منهم، أو على خلاف ذلك مما تعرفونهم به من بناء إيمانهم على بادي الرأي من غير نظر ولا تفكر، وما عليّ أنْ أشق على قلوبهم وأتعرف ذلك منهم حتى أطردهم ونحوهولا تطرد الذين يدعون } [الأنعام: 52] الآية أو هم مصدّقون بلقاء ربهم، موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة انتهى. ووصفهم بالجهل لكونهم بنوا أمرهم على الجهل بالعواقب، والاغترار بالظواهر. أو لأنهم يتسافلون على المؤمنين ويدعونهم أراذل من قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا. أو تجهلون لقاء ربكم، أو تجهلون أنهم خير منكم، أو وصفهم بالجهل في هذا الاقتراح، وهو طرد المؤمنين ونحوه: من ينصرني، استفهام معناه لا ناصر لي من عقاب الله إن طردتهم عن الخير الذي قد قبلوه، أو لأجل إيمانهم قاله: الفراء، وكانوا يسألونه أنْ يطردهم ليؤمنوا به أنفة منهم أن يكونوا معهم على سواء، ثم وقفهم بقوله: أفلا تذكرون، على النظر المؤدّي إلى صحة هذا الاحتجاج.

السابقالتالي
2 3