الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

هذه السورة في قصصها شبيهة بسورة الأعراف بدىء فيها بنوح، ثم بهود، ثم بصالح، ثم بلوط، مقدّماً عليه ابراهيم بسبب قوم لوط، ثم بشعيب، ثم بموسى وهارون، صلى الله على نبينا وعليهم أجمعين. وذكروا وجوه حكم وفوائد لتكرار هذه القصص في القرآن.

وقرأ النحويان وابن كثير: أني بفتح الهمزة أي: بأبي، وباقي السبعة بكسرها على إضمار القول. وقال أبو علي في قراءة الفتح: خروج من الغيبة إلى المخاطبة، قال ابن عطية: وفي هذا نظر، وإنما هي حكاية مخاطبة لقومه وليس هذا حقيقة الخروج من غيبة إلى مخاطبة، ولو كان الكلام أنْ أنذرهم أو نحوه لصح ذلك انتهى. وأنْ لا تعبدوا إلا الله ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان كما جاء مصرّحاً في غير هذه السورة، وأن بدل من أي لكم في قراءة من فتح، ويحتمل أن تكون أنْ المفسرة. وأما في قراءة من كسر فيحتمل أن تكون المفسرة، والمراعى قبلها: إما أرسلنا وإما نذير مبين، ويحتمل أن تكون معمولة لأرسلنا أي: بأن لا تعبدوا إلا الله، وإسناد الألم إلى اليوم مجاز لوقوع الألم فينه لا به.

قال الزمخشري: (فإن قلت): فإذا وصف به العذاب؟ (قلت): مجازى مثله، لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب، ونظيرهما قولك: نهاره صائم انتهى. وهذا على أن يكون أليم صفة مبالغة من آلم، وهو من كثر ألمه. فإنْ كان أليم بمعنى مؤلم، فنسبته لليوم مجاز، وللعذاب حقيقة. لما أنذرهم من عذاب الله وأمرهم بإفراده بالعبادة، وأخبر أنه رسول من عند الله، ذكروا أنه مماثلهم في البشرية، واستبعدوا أن يبعث الله رسولاً من البشر، وكأنهم ذهبوا إلى مذهب البراهمة الذين ينكرون نبوة البشر على الإطلاق، ثم عيروه بأنه لم يتبعه إلا الأراذل أي: فنحن لا نساويهم، ثم نفوا أن يكون له عليهم فضل. أي: أنت مساوينا في البشرية ولا فضل لك علينا، فكيف امتزت بأنك رسول الله؟ وفي قوله: إلا الذين هم أراذلنا، مبالغة في الإخبار، وكأنه مؤذن بتأكيد حصر من اتبعه، وأنهم هم الأراذل لم يشركهم شريف في ذلك. وفي الحديث « إنهم كانوا حاكة وحجامين» وقال النحاس: هم الفقراء والذين لا حسب لهم، والخسيسو الصناعات. وفي حديث هرقل: «أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، فقال: هم أتباع الرسل قبل» وإنما كان كذلك لاستيلاء الرئاسة على الأشراف وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد لغيرهم، والفقير خلى عن تلك الموانع فهو سريع إلى الإجابة والانقياد. ونراك يحتمل أن تكون بصرية، وأن تكون علمية. قالوا: وأراذل جمع الجمع، فقيل: جمع أرذل ككلب وأكلب وأكالب. وقيل: جمع أرذال، وقياسه أراذيل.

السابقالتالي
2 3