الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

الزلفة قال الليث: طائفة من أول الليل، والجمع الزلف، وقال ثعلب: الزلف أول ساعات الليل، واحدها زلفة. وقال أبو عبيدة، والأخفش، وابن قتيبة، الزلف ساعات الليل وآناؤه، وكل ساعة زلفة. وقال العجاج:
ناح طواه الأين مما وجَفَا   طيَّ الليالي زلفاً فزلفا
سمـاؤه الهـلال حتـى احقوقنـا   
وأصل الكلمة من الزلفى وهي القربة، ويقال: أزلفه فازدلف أي قربه فاقترب، وأزلفني أدناني.

{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكر للذاكرين. واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }: سبب نزولها ما في صحيح مسلم من حديث الرجل الذي عالج امرأة أجنبية منه، فأصاب منها ما سوى إتيانها فنزلت. وقيل: نزلت قبل ذلك، واستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة هذا الرجل فقال رجل: أله خاصة؟ قال: «لا، بل للناس عامة» وانظر إلى الأمر والنهي في هذه الآيات، حيث جاء الخطاب في الأمر، { فاستقم كما أمرت } ، وأقم الصلاة، موحداً في الظاهر، وإن كان المأمور به من حيث المعنى عاماً، وجاء الخطاب في النهي: { ولا تركنوا } موجهاً إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، مخاطباً به أمته، فحيث كان بأفعال الخير توجه الخطاب إليه، وحيث كان النهي عن المحظورات عدل عن الخطاب عنه إلى غيره من أمته، وهذا من جليل الفصاحة. ولا خلاف أنّ المأمور بإقامتها هي الصلوات المكتوبة، وإقامتها دوامها، وقيل: أداؤها على تمامها، وقيل: فعلها في أفضل أوقاتها، وهي ثلاثة الأقوال التي في قوله تعالى: وأقيموا الصلاة.

وانتصب طرفي النهار على الظرف. وطرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء، فالذي يظهر أنهما الصبح والعصر، لأنهما طرفا النهار، ولذلك وقع الإجماع، إلا من شذ على أنّ من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمداً أنّ يومه يوم فطر وعليه القضاء والكفارة، وما بعد طلوع الفجر من النهار. وقد ادعى الطبري والماوردي: الإجماع على أنّ أحد الطرفين الصبح، والخلاف في ذلك على ما نذكره. وممن قال: هما الصبح والعصر الحسن، وقتادة، والضحاك، وقال: الزلف المغرب والعشاء، وليست الظاهر في هذه الآية على هذا القول، بل هي في غيرها. وقال مجاهد ومحمد بن كعب: الطرف الأول الصبح، والثاني الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء، وليست الصبح في هذه الآية. وقال ابن عباس والحسن أيضاً: هما الصبح والمغرب، والزلف العشاء، وليست الظهر والعصر في الآية. وقيل: هما الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء والصبح، وكان هذا القائل راعي الجهر بالقراءة والإخفاء. واختار ابن عطية قول مجاهد، وجعل الظهر من الطرف الثاني ليس بواضح، إنما الظهر نصف النهار، والنصف لا يسمى طرفاً إلا بمجاز بعيد، ورجح الطبري قول ابن عباس: وهو أنّ الطرفين هما الصبح والمغرب، ولا نجعل المغرب طرفاً للنهار إلا بمجاز، إنما هو طرف الليل.

السابقالتالي
2 3