الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

الظاهر عموم كل وشموله للمؤمن والكافر. وقال الزمخشري: التنوين عوض من المضاف إليه يعني: وإن كلهم، وإن جميع المختلفين فيه. وقال مقاتل: يعني به كفار هذه الأمة. وقرأ الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف النون ساكنة. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة: لما بالتشديد هنا وفي (يس) و(الطارق) وأجمعت السبعة على نصب كلا، فتصور في قراءتهم أربع قراآت: إحداها: تخفيف أن ولما، وهي قراءة الحرميين. والثانية: تشديدهما، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. والثالثة: تخفيف إنْ وتشديد لما وهي قراءة أبي بكر. والرابعة: تشديد أنْ وتخفيف لمّا، وهي قراءة الكسائي وأبي عمرو. وقرأ أبيّ والحسن بخلاف عنه، وإبان بن ثعلب وإنْ بالتخفيف كل بالرفع لمّا مشدداً. وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم: وإن كلا لمّا بتشديد الميم وتنوينها، ولم يتعرضوا لتخفيف إنْ ولا تشديدها. وقال أبو حاتم: الذي في مصحف أبيّ وإن من كل إلا ليوفينهم. وقرأ الأعمش: وإن كل إلا، وهو حرف ابن مسعود، فهذه أربعة وجوه في الشاذ. فأما القراءة الأولى فأعمال أنْ مخففة كأعمالها مشددة، وهذا المسألة فيها خلاف: ذهب الكوفيون إلى أنّ تخفيف إن يبطل عملها، ولا يجوز أن تعمل. وذهب البصريون إلى أنّ إعمالها جائز، لكنه قليل إلا مع المضمر، فلا يجوز إلا إن ورد في شعر، وهذا هو الصحيح لثبوت ذلك في لسان العرب. حكى سيبويه أن الثقة أخبره أنه سمع بعض العرب أنّ عمر المنطلق، ولثبوت هذه القراءة المتواترة وقد تأولها الكوفيون. وأما لما فقال الفراء: فاللام فيها هي اللام الداخلة على خبر إنّ، وما موصولة بمعنى الذي كما جاء:فانكحوا ما طاب لكم من النساء } [النساء: 3] والجملة من القسم المحذوف وجوابه الذي هو ليوفينهم صلة، لما نحو قوله تعالى:وإن منكم لمن ليبطئن } [النساء: 72] وهذا وجه حسن، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم: لا سيما زيد بالرفع، أي لاسي الذي هو زيد. وقيل: ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة، لأن المعنى: وإنْ كلا لخلق موفى عمله، ورجح الطبري هذا القول واختاره. وقال أبو عليّ: العرف أن تدخل لام الابتداء على الخير، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف، واتفقا في اللفظ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى. ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر، ونص الحوفي على أنها لام إنْ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه. وقيل: اللام في لما موطئة للقسم، وما مزيدة، والخبر الجملة القسمية وجوابها، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي.

السابقالتالي
2 3 4