الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }

الشقاء نكد العيش. وسوؤه. يقال منه: شقي يشقى شقاء وشقوة وشقاوة والسعادة ضده، يقال منه: سعد يسعد، ويعديان بالهمزة فيقال: أشقاه الله، وأسعده الله. وقد قرىء شقوا وسعدوا بضم الشين والسين، فدل على أنهما قد يتعدّيان. ومنه قولهم مسعود، وذكر أنّ الفراء حكى أن هذيلاً تقول: سعده الله بمعنى أسعده. وقال الجوهري: سعد بالكسر فهو سعيد، مثل سلم فهو سليم، وسعد فهو مسعود. وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري: ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده الله فهو مسعد.

{ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود. يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد }: أي ومثل ذلك الأخذ أخذ الله الأمم السابقة أخذ ربك. والقرى عام في القرى الظالمة، والظلم يشمل ظلم الكفر وغيره. وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة. وأما الظلمة في الغالب فمعاجلون، وفي الحديث: " إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذاً. وقرأ أبو رجاء والجحدري: وكذلك أخذ ربك، إذ أخذ على أنّ أخذ ربك فعل وفاعل، وإذ ظرف لما مضى، وهو إخبار عما جرب به عادة الله في إهلاك من تقدم من الأمم. وقرأ طلحة بن مصرف: وكذلك أحذ ربك هذا أخذ. قال ابن عطية: وهي قراءة متمكنة المعنى، ولكن قراءة الجماعة تعطي الوعيد واستمراره في الزمان، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي، والقرى مفعول بأخذ على الإعمال إذ تنازعه المصدر وهو: أخذ ربك، وأخذ، فاعمل الثاني وهي ظالمة جملة حالية إن أخذه أليم موجع صعب على المأخوذ. والأخذ هنا أخذ الإهلاك.

إنّ في ذلك أي: فيما قص الله من أخبار الأمم الماضية وإهلاكهم لآية لعلامة لمن خاف عذاب الآخرة، أي: إنهم إذا عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء وإشراكهم بالله، وهي دار العمل فلأن يعذبوا على ذلك في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى، وذلك أنّ الأنبياء أخبروا باستئصال من كذبهم، وأشركوا بالله. ووقع ما أخبروا به وفق إخبارهم، فدل على أنّ ما أخبروا به من البعث والجزاء صدق لا شك فيه. قال الزمخشري: لآية لمن خاف لعبرة له، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وما هو إلا أنموذج مما أعد لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمته وشدته اعتبر به من عظيم العذاب الموعود فيكون له عظة وعبرة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله ونحوه:

السابقالتالي
2 3