الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

لما بالغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات وهم مصرون على العناد واشتد أذاهم عليه وعلى من آمن معه، وهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفراً، وعلى الإنذار إلا استكباراً. أو علم بالتجربة وطول الصحبة أنه لا يجيء منهم إلا الغي والضلال، أو علم ذلك بوحي من الله تعالى، دعا الله تعالى عليهم بما علم أنه لا يكون غيره كما تقول: لعن الله إبليس وأخزى الكفرة. كما دعا نوح على قومه حين أوحى إليهأنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [هود: 36] وقدم بين يدي الدعاء ما آتاهم الله من النعمة في الدنيا وكان ذلك سبباً للإيمان به ولشكر نعمه، فجعوا ذلك سبباً لجحوده ولكفر نعمه. والزينة عبارة عما يتزين به ويتحسن من الملبوس والمركوب والأثاث والمال، ما يزيد على ذلك من الصامت والناطق. قال المؤرخون والمفسرون: كان لهم فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزبرجد والياقوت. وفي تكرار ربنا توكيد للدعاء والاستغاثة، واللام في ليضلوا الظاهر أنها لام كي على معنى: آتيتهم ما آتيتهم على سبيل الاستدراج، فكان الإتيان لكي يضلوا. ويحتمل أن تكون لام الصيرورة والعاقبة كقوله:فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [القصص: 8] وكما قال الشاعر:
وللمنايا تربي كل مرضعة   وللخراب يجد الناس عمراناً
وقال الحسن: هو دعاء عليهم، وبهذا بدأ الزمخشري قال: كأنه قال ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال، وليكونوا ضلالاً، وليطبع الله على قلوبهم فلا يؤمنوا. ويبعد أن يكون دعاء قراءة من قرأ ليضلوا بضم الياء، إذ يبعد أن يدعو بأن يكونوا مضلين غيرهم، وهي قراءة الكوفيين، وقتادة والأعمش، وعيسى، والحسن، والأعرج بخلاف عنهما. وقرأ الحرميان، والعربيان، ومجاهد، وأبو رجاء، والأعرج، وشيبة، وأبو جعفر، وأهل مكة: بفتحها. وقرأ الشعبي بكسرها، ولى بين الكسرات الثلاث. وقيل: لا محذوفة، التقدير لئلا يضلوا عن سبيلك قاله: أبو علي الجبائي. وقرأ أبو الفضل الرقاشي: أإنك آتيت على الاستفهام. ولما تقدم ذكر الأموال وهي أعز ما ادخر دعا بالطموس عليها وهي التعفية والتغيير أو الإهلاك. قال ابن عباس، ومحمد بن كعب: صارت دراهمهم حجارة منقوشة صحاحاً وأثلاثاً وأنصافاً، ولم يبق لهم معدن إلاطمس الله عليه فلم ينتفع بها أحد بعد. وقال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد وعطية: أهلكها حتى لا ترى. وقال ابن زيد: صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة. قال محمد بن كعب: سألني عمر بن عبد العزيز فذكرت ذلك له، فدعا بخريطة أصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير، وأنها الحجارة. وقال قتادة، والضحاك، وأبو صالح، والقرطبي: جعل سكرهم حجارة.

السابقالتالي
2