الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

إما أن يكون قولهم أريد به بعض أفراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون من إطلاق العام وأريد به الخاص. وإما أن يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي: قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك، ثم استأنف بقوله: إنّ العزة لله جميعاً أي: لا عزة لهم ولا منعة، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك، إن الغلبة والقهر لله، وهو القادر على الانتقام منهم، فلا يعازه شيء ولا يغالبه. وكأنّ قائلاً قال: لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن؟ فقيل: إنّ العزة لله جميعاً، ليس لهم منها شيء. وقرأ أبو حيوة: أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولاً لقولهم: لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هو قول حق. وخرجت هذه القراءة على التعليل أي: لا يقع منك حزن لما يقولون، لأجل أنّ العزة لله جميعاً. ووجهت أيضاً على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه.

قال الزمخشري: ومن جعله بدلاً من قولهم ثم أنكره، فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكره من القرآن. وقال القاضي: فتحها شاذ يقارب الكفر، وإذا كسرت كان استئنافاً، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب. وقال ابن قتيبة: لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر وغلو، وإنما قال القاضي وابن قتيبة بناء منهما على أن معمولة لقولهم، وقد ذكرنا توجيه ذلك على التعليل وهو توجيه صحيح. هو السميع لما يقولون، العليم لما يريدون.

وفي هذه الآية تأمين للرسول صلى الله عليه وسلم من اضرار الكفار، وأن الله تعالى يديله عليهم وينصره.كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة: 21]إنا لننصر رسلنا } [غافر: 51] وقال الأصم: كانوا يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم، فأخبر أنه قادر على أن يسلب منهم ملك الأشياء، وأن ينصرك وينقل إليك أموالهم وديارهم انتهى. ولا تضاد بين قوله: إن العزة لله جميعاً، وقوله:ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون: 8] لأن عزتهم إنما هي بالله، فهي كلها لله. { ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون }.

المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكرأن العزة له تعالى وهي القهر والغلبة، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات ملكاً له تعالى، ومن الأصل فيها أن تكون للعقلاء، وهنا هي شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب، وحيث جيء بما كان تغليباً للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا تعقل. وقال الزمخشري: يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان، وإنما خصهم ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له في ملكه فهم عبيد كلهم، لا يصلح أحد منهم للربوبية، ولا أن يكون شريكاً فيها، فما دونهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون نداً وشريكاً.

السابقالتالي
2