الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله عز وجل { ليس على الضعفاء } لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد واعتذروا بأعذار باطلة عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقية الصحيحة وعذرهم وأخبر أن فرض الجهاد عنهم ساقط فقال سبحانه وتعالى: ليس على الضعفاء والضعيف هو الصحيح في بدنه العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد مثل الشيوخ والصبيان والنساء ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفاً نحيفاً ويدل على أن هؤلاء الأصناف هم الضعفاء أن الله سبحانه وتعالى عطف عليهم المرضى فقال سبحانه وتعالى: { ولا على المرضى } والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فأما المرضى فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة وكل من كان موصوفاً بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } يعني الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد، فلا يجدون الزاد والراحلة والسلاح ومؤنة السفر لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور { حرج } أي ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج أي إثم في التخلف عن الغزو. وقال الإمام فخر الدين الرازي: ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلاً ووبالاً عليهم فإن ذلك طاعة مقبولة ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطاً معيناً وقوله سبحانه وتعالى: { إذا نصحوا لله ورسوله } ومعناه: أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إفشاء الأراجيف وإثارة الفتن وسعوا في إيصال الخير إلى أهل المجاهدين الذين خرجوا إلى الغزو وقاموا بمصالح بيوتهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فإن جملة هذه الأمور تجري مجرى النصح لله ورسوله { ما على المحسنين من سبيل } أي ليس على من أحسن فنصح لله ولرسوله في تخلفه عن الجهاد بعذر قد أباحه الشارع طريق يتطرق عليه فيعاقب عليه والمعنى أنه سد بإحسانه طريق العقاب عن نفسه ويستنبط من قوله ما على المحسنين من سبيل أن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مخلصاً من قلبه ليس عليه سبيل في نفسه وماله إلا ما أباحه الشرع بدليل منفصل { والله غفور } يعني لمن تخلف عن الجهاد بعذر ظاهر أباحه الشرع { رحيم } يعني: أنه تعالى رحيم بجميع عباده. قال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو وأصحابه. وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أم مكتوم وكان ضرير البصر ولما ذكر الله عز وجل هذه الأقسام الثلاثة من المعذورين أتبعه بذكر قسم رابع وهو قوله تعالى: { ولا على الذين إذا ما أتوك } يعني ولا حرج ولا إثم في التخلف عنك على الذين إذا ما أتوك { لتحملهم } يعني يسألونك الحملان ليبلغوا إلى غزو عدوك وعدوهم والجهاد معك يا محمد.

السابقالتالي
2