الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان } قد تقدم معنى الأحبار والرهبان وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى وفي قوله سبحانه وتعالى: { إن كثيراً } دليل على ان الأقل من الأحبار والرهبان لم يأكلوا أموال الناس بالباطل ولعلهم الذين كانوا قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعبر عن أخذ الأموال بالأكل في قوله تعالى: { ليأكلون أموال الناس بالباطل } لأن المقصود الأعظم من جمع المال الأكل فسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصد واختلفوا في السبب الذي من أجله أكلوا أموال الناس بالباطل فقيل إنهم كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم في تخفيف الشرائع والمسامحة في الأحكام وقيل إنهم كانوا يكتبون بأيديهم كتباً يحرفونها ويبدلونها ويقولون هذه من عند الله ويأخذون بها ثمناً قليلاً وهي المآكل التي كانوا يصيبونها من سفلتهم على تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته في كتبه لأنهم كانوا يخافون لو آمنوا به وصدقوه لذهب عنهم تلك المآكل وقيل إن التوراة كانت مشتملة على آيات دالة على نعت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الأحبار والرهبان يذكرون في تأويلها وجوهاً فاسدة باطلة ويحرفون معانيها طلباً للرياسة وأخذ الأموال ومنع الناس عن الإيمان به وذلك قوله تعالى: { ويصدون عن سبيل الله } يعني ويمنعون الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والدخول في دين الإسلام { والذين يكنزون الذهب والفضة } أصل الكنز في اللغة جعل المال بعضه على بعض وحفظه ومال مكنوز مجموع واختلفوا في المراد بهؤلاء الذين ذمهم الله بسبب كنز الذهب والفضة فقيل هم أهل الكتاب. قال معاوية بن أبي سفيان: لأن الله سبحانه وتعالى وصفهم بالحرص الشديد على أخذ أموال الناس بالباطل ثم وصفهم بالبخل الشديد وهو جمع المال ومنع إخراج الحقوق الواجبة منه. وقال ابن عباس: نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قبح طريقة الأحبار والرهبان في الحرص على أخذ الأموال بالباطل حذر المسلمين من ذلك وذكر وعيد من جمع المال ومنع حقوق الله منه. وقال أبو ذر: نزلت في أهل الكتاب وفي المسلمين. ووجه هذا القول أن الله سبحانه وتعالى وصف أهل الكتاب بالحرص على أخذ أموال الناس بالباطل ثم ذكر بعده وعيد من جمع المال ومنع الحقوق الواجبة فيه سواء كان من أهل الكتاب أو من المسلمين خ عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا بأبي ذر فقلت: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: كنت في الشأم فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب.

السابقالتالي
2 3 4