الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ ثم أنزل الله سكينته } يعني بعد الهزيمة والسكينة والطمأنينة والأمنة، وهي فعلية من السكون وذلك أن الإنسان إذا خاف رجف فؤاده فلا يزال متحركاً وإذا أمن سكن فؤاده وثبت فلما كان الأمن موجباً للسكون جعل لفظ السكينة كناية عن الأمن. وقوله تعالى: { على رسوله وعلى المؤمنين } إنما كان إنزال السكينة على المؤمنين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ساكن القلب ليس عنده اضطراب كما حصل للمؤمنين من الهزيمة واضطراب في هذه الواقعة ثم من الله عليهم بإنزال السكينة عليهم حتى رجعوا إلى قتال عدوهم بعد الهزيمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت لم يفر { وأنزل جنوداً لم تروها } يعني الملائكة تثبيت المؤمنين وتشجيعهم وتخذيل المشركين وتجبينهم لا للقتال لأن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر { وعذب الذين كفروا } يعني بالأسر والقتل وسبي العيال والأموال { وذلك جزاء الكافرين } يعني في الدنيا ثم إذا أفضوا إلى الآخرة كان لهم عذاب أشد من ذلك العذاب وأعظم { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } يعني فيهديه إلى الإسلام كما فعل بمن بقي من هوازن حيث أسلموا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تائبين فمَّن عليهم وأطلق سبيهم { والله غفور } إن تاب { رحيم } بعباده. قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } قيل: أراد بالمشركين عبدة الأصنام دون غيرهم من أصناف الكفار. وقيل: بل أراد جميع أصناف الكفار عبدة الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى. والنجس: الشيء القذر من الناس وغيرهم. وقيل: النجس الشيء الخبيث وأراد بهذه النجاسة نجاسة الحكم لا نجاسة العين. سموا نجساً على الذم لأن الفقهاء اتفقوا على طهارة أبدانهم. وقيل: هم أنجاس العين كالكلب والخنزير. حتى قال الحسن بن صالح: من مس مشركاً فليتوضأ. ويروى هذا عن الزيدية من الشيعة والقول الأول أصح وقال قتادة سماهم: نجساً لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤون { فلا يقربوا المسجد الحرام } المراد: منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ويؤكد هذا قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام أراد به الحرم لأنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ. قال العلماء: وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام أحدها: الحرم فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال ذمياً كان أو مستأمناً لظاهر هذه الآية وبه قال الشافعي وأحمد ومالك فلو جاء رسول من دار الكفر والإمام في الحرم فلا يأذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه بنفسه أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهدة حول الحرم القسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز وحده ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة الشريفة قيل نصفها تهامي ونصفها حجازي.

السابقالتالي
2