الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ }

قوله سبحانه وتعالى: { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } يريد بالتعذيب القتل يعني يقتلهم الله بأيديكم. فإن قلت: كيف الجمع بين قوله يعذبهم الله بأيديكم وبين قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم؟ قلت: المراد بقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم عذاب الاستئصال يعني وما كان ليستأصلهم بالعذاب جميعاً وأنت فيهم والمراد بقوله: قاتلوهم، يعني الذين نقضوا العهد وبدءوا بالقتال فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال من قاتلهم أو نقض عهدهم. والفرق بين العذابين، أن عذاب الاستئصال يتعدى إلى المذنب وغير المذنب وإلى المخالف والموافق، وعذاب القتل لا يتعدى إلا إلى المذنب المخالف وقوله تعالى: { ويخزهم } يعني ويذلهم بالقهر والأسر وينزل بهم الذل والهوان { وينصركم عليهم } يعني بأن يظفركم بهم { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني ويبرئ داء قلوبهم مما كانوا ينالونه من الأذى منهم ومن المعلوم أن من طال تأذيه من خصمه ثم مكنه الله منه فإنه يفرح بذلك ويعظم سروره ويصير ذلك سبباً لقوة اليقين وثبات العزيمة. قال مجاهد والسدي: أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة حتى قتلوا منهم ثم شفى الله صدور خزاعة من بني بكر حتى أخذوا ثأرهم منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه { ويذهب غيظ قلوبهم } يعني ويذهب وجد قلوبهم بما نالوه من بني بكر. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: " ارفعوا السيف إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر " ذكره البغوي بغير سند. ثم قال تعالى: { ويتوب الله على من يشاء } هذا كلام مستأنف ليس له تعلق بالأول والمعنى ويهدي الله من يشاء إلى الإسلام فيمن عليه بالتوبة من الشرك والكفر ويهديه إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فهؤلاء كانوا من أئمة الكفر ورؤساء المشركين ثم منَّ الله عليهم بالإسلام يوم فتح مكة فأسلموا { والله عليم } يعني بسرائر عباده ومن سبقت له العناية الأزلية بالسعادة فيتوب عليه ويهديه إلى الإسلام { حكيم } يعني في جميع أفعاله قوله عز وجل: { أم حسبتم أن تتركوا } هذا من الاستفهام المعترض في وسط الكلام ولذلك أدخلت فيه أم لتفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ والمعنى أظننتم أيها المؤمنون أن تتركوا فلا تؤمروا بالجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } أراد بالعلم: المعلوم، لأن وجود الشيء يلزمه معلوم الوجود عند الله لا جرم جعل علم الله بوجوده كناية عن وجوده. قاله الإمام فخر الدين الرازي: ونقل الواحدي عن الزجاج أي العلم الذي يجازي عليه لأنه إنما يجازي على ما عملوا { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } قال الفراء: الوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم يفشون إليهم أسرارهم.

السابقالتالي
2 3