الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

قوله سبحانه وتعالى: { والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً } نزلت في جماعة من المنافقين بنوا مسجداً يضارّون به مسجد قباء وكانوا اثني عشر رجلاً من أهل النفاق وديعة بن ثابت وخذام بن خالد ومن داره أخرج هذا المسجد وثعلبة بن حاطب وجارية بن عمرو وابناه مجمع وزيد ومعتب بن قشير وعباد ابن حنيف أخو سهل بن حنيف وأبو حبيبة بن الأزعر ونبتل بن الحرث وبجاد بن عثمان وبحزج بنوا هذا المسجد ضراراً يعني مضارة للمؤمنين وكفراً يعني ليكفروا فيه بالله ورسوله { وتفريقاً بين المؤمنين } لأنهم كانوا جميعاً يصلون في مسجد قباء فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم فيؤدي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة وكان يصلي بهم فيه مجمع بن جارية وكان شاباً يقرأ القرآن ولم يدر ما أرادوا ببنائه، فلما فرغوا من بنائه، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا وتصلي فيه وتدعو لنا بالبركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني على جناح سفر ولو قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا فيه " وقوله سبحانه وتعالى: { وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله } يعني أنهم بنوا هذا المسجد للضرار والكفر وبنوه إرصاداً يعني انتظاراً وإعداداً لمن حارب الله ورسوله { من قبل } يعني من قبل بناء هذا المسجد وهو أبو عامر الراهب والد حنظلة غسيل الملائكة وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وتنصر، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر ما هذا الدين الذي جئت به؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " جئت بالحنيفية دين إبراهيم ". فقال أبو عامر: فأنا عليها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست عليها. قال أبو عامر: بلى ولكنك أدخلت في الحنيفية ما ليس منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية. فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طويداً وحيداً غريباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم:آمين " وسماه الناس: أبا عامر الفاسق. فلما كان يوم أحد، قال أبو عامر الفاسق للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل كذلك إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن، يئس أبو عامر وخرج هارباً إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا ما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء، فذلك وقوله: سبحانه وتعالى: { وإرصاداً } يعني انتظاراً لمن حارب الله ورسوله يعني أبا عامر الفاسق ليصلي فيه إذا رجع من الشام من قبل يعني أن أبا عامر الفاسق حارب الله ورسوله من قبل مسجد الضرار { وليحلفن } يعني الذين بنوا المسجد { إن أردنا } يعني ما أردنا ببنائه { إلا الحسنى } يعني إلا الفعلة الحسنى وهي: الرفق بالمسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعجز عن الصلاة في مسجد قباء أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم { والله يشهد إنهم لكاذبون } يعني في قيلهم وحلفهم.

السابقالتالي
2