الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } لما أمر الله سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله في الآية المتقدمة ثم قال بعد ذلك إن كنتم مؤمنين لأن الإيمان يستلزم الطاعة، بيَّن في هذه الآية صفات المؤمنين وأحوالهم فقال سبحانه وتعالى { إنما المؤمنون } ولفظة إنما تفيد الحصر والمعنى ليس المؤمنون الذين يخالفون الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي خضعت وخافت ورقت قلوبهم وقيل إذا خوفوا بالله انقادوا خوفاً من عقابه. وقال أهل الحقائق: الخوف على قسمين: خوف عقاب وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص، لأنهم يعلمون عظمة الله عز وجل فيخافونه أشد خوف، وأما العصاة فيخافون عقابه فالمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخافه على قدر مرتبته في ذكر الله. فإن قلت: إنه سبحانه وتعالى قال في هذه الآية وجلت قلوبهم بمعنى خافت وقال في آية أخرى تطمئن قلوبهم بذكر الله فكيف الجمع بينهما؟ قلت لا منافاة بين هاتين الحالتين لأن الوجل هو خوف العقاب والاطمئنان إنما يكون من ثلج اليقين وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهذا مقام الخوف والرجاء وقد جمعا في آية واحدة وهي قوله سبحانه وتعالى: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. والمعنى: تقشعر جلودهم من خوف عقاب الله ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله ورجاء ثوابه وهذا حاصل في قلب المؤمنين ثم قال تعالى: { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } يعني وإذا قرأت عليهم آيات القرآن زادتهم تصديقاً قاله ابن عباس. والمعنى: أنه كلما جاءهم شيء من عند الله آمنوا به فيزدادون بذلك إيماناً وتصديقاً لأن زيادة الإيمان بزيادة التصديق وذلك على وجهين الوجه الأول وهو الذي عليه عامة أهل العلم على ما حكاه الواحدي أن كل من كانت الدلائل عنده أكثر وأقوى كان إيمانه أزيد لأن عند حصول كثرة الدلائل وقوتها يزول الشك ويقوى اليقين فتكون معرفته بالله أقوى فيزداد إيمانه. الوجه الثاني: هو أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله ولما كانت التكاليف متوالية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما تجدد تكليف صدقوا به فيزدادون بذلك الإقرار تصديقاً وإيماناً ومن المعلوم أن من صدق إنساناً في شيئين كان أكبر مما يصدقه في شيء واحد فقوله تعالى: { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } معناه أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد وتصديق جديد فكان ذلك زيادة في إيمانهم واختلف أناس في أن الإيمان هل يقبل الزيادة والنقص أم لا؟ فالذين قالوا إن الإيمان عبارة عن التصديق القلبي قالوا لا يقبل الزيادة لإجماع أهل اللغة على أن الإيمان هو التصديق والاعتقاد بالقلب وذلك لا يقبل الزيادة ومن قال إن الإيمان عبارة عن مجموع أمور ثلاثة وهي التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان فقد استدل على ذلك بهذه الآية من وجهين أحدهما أن قوله زادتهم إيماناً صريح في أن الإيمان يقبل الزيادة ولو كان عبارة عن التصديق بالقلب فقط لما قبل الزيادة وإذا قيل لزيادة فقد قبل النقص.

السابقالتالي
2 3 4