الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله عز وجل: { إن الذين كذبوا بآياتنا } يعني كذبوا بدلائل التوحيد فلم يصدقوا بها ولم يتبعوا رسلنا { واستكبروا عنها } أي وتكبروا عن الإيمان بها والتصديق لها وأنفوا عن اتباعها والانقياد لها والعمل بمقتضاها تكبراً { لا تفتح لهم أبواب السماء } يعني لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم ولا يصعد لهم إلى الله عز وجل في وقت حياتهم قول ولا عمل لأن أرواحهم وأقوالهم وأعمالهم كلها خبيثة وإنما يصعد إلى الله تعالى الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تفتح أبواب السماء لأرواح الكفار وتفتح لأرواح المؤمنين. وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: لا يصعد لهم قول ولا عمل، وقال ابن جريج: لا تفتح أبواب السماء لأعمالهم ولا لأرواحهم. وروى الطبري بسنده عن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر وأنه يصعد بها إلى السماء قال فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة قال فيقولون فلان بأقبح أسمائه التي كان يدعى به في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " وقيل في معنى الآية: لا تنزل عليهم البركة والخير لأن ذلك لا ينزل إلا من السماء فإذا لم تفتح لهم أبواب السماء فلا ينزل عليهم من البركة والخير والرحمة شيء. وقوله تعالى: { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } والولوج الدخول والجمل معروف وهو الذكر من الإبل وسم الخياط ثقب الإبرة قال الفراء: الخياط والمخيط ما يخاط به والمراد به الإبرة في هذه الآية وإنما خص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسماً عند العرب قال الشاعر:
جسم الجِمال وأحلام العصافير   
وصف من هجاه بهذا بعظم الجسم مع صغر العقل فجسم الجمل من أعظم الأجسام وثقب الإبرة من أضيق المنافذ فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق محالاً فكذلك دخول الكفار الجنة محال ولما وصف الله دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط وكان وقوع الشرط محالاً ثبت أن الموقوف على المحال محال فوجب بهذا الاعتبار أن دخول الكفار الجنة مأيوس منه قطعاً. وقال بعض أهل المعاني: لما علق الله تعالى دخولهم الجنة بولوج الجمل في سم الخياط وهو خرق الإبرة كان ذلك نفياً لدخولهم الجنة على التأبيد وذلك لأن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز وهذا كقولك: لا آتيك حتى يشيب الغراب ويبيض القار ومنه قول الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4