الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }

قال تعالى: { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها } يعني أن قدرة الإنسان المخلوق إنما تكون بهذه الجوارح الأربعة فإنها آلات يستعين بها الإنسان في جميع أموره والأصنام ليس لها من هذه الأعضاء والجوارح شيء فهم مفضلون عليها بهذه الأعضاء لأن الرجل الماشية أفضل من الرجل العاجزة عن المشي وكذلك اليد الباطشة أفضل من اليد العاجزة عن البطش والعين الباصرة أفضل من العين العاجزة عن الإدراك والأذن السامعة أفضل من الأذن العاجزة عن السمع فظهر بهذا البيان أن الإنسان أفضل من هذه الأصنام العاجزة بكثير بل لا فضل لها البتة لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإذا كان لا فضل له البتة ولا يضر ولا ينفع فامتنع بهذه الحجة كون الأصنام آلة ثم قال تعالى: { قل ادعوا شركاءكم } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين ادعوا شركاءكم هذه الأصنام التي تعبدونها حتى يتبين عجزها { ثم كيدون } يعني أنتم وشركاؤكم وهذا متصل بما قبله في استكمال الحجة عليهم لأنهم لما قرّعوا بعادة من لا يملك ضراً ولا نفعاً قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل إن معبودي يملك الضر والنفع فلو اجتهدتم في كيدي لم تصلوا إلى ضري لأن الله يدفع عني، وقال الحسن كانوا يخوفونه بآلهتهم فقال الله تعالى قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون { فلا تنظرون } أي لا تمهلون واعجلوا في كيدي أنتم وشركاؤكم { إن وليي الله } يعني أن الذي يتولى حفظي وينصرني عليكم هو الله { الذي نزل الكتاب } يعني القرآن، المعنى كما أيدني بإنزال القرآن علي كذلك يتولى حفظي وينصرني { وهو يتولى الصالحين } يعني يتولاهم بنصره وحفظه فلا تضرهم عداوة من عاداهم من المشركين وغيرهم ممن أرادهم بسوء أو كادهم بشر. قال ابن عباس: يريد بالصالحين الذين لا يعدلون بالله شيئاً ولا يعصونه وفي هذا مدح للصالحين لأن من تولاه الله يحفظه فلا يضره شيء. قوله عز وجل: { والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } هذه الآية قد تقدم تفسيرها، والفائدة في تكريرها أن الآية الأولى مذكورة على جهة التقريع والتوبيخ وهذه الآية مذكورة على جهة الفرق بين من تجوز له العبادة وهو الله الذي يتولى الصالحين بنصره وحفظه وبين هذه الأصنام وهي ليست كذلك فلا تكون معبودة. وقوله سبحانه وتعالى: { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } قال الحسن المراد بهذا المشركون ومعناه وإن تدعوا إليها المؤمنون المشركين إلى الهدى لا يسمعوا دعاءكم لأن آذانهم قد صمّت عن سماع الحق وتراهم ينظرون إليك يا محمد وهم لا يبصرون يعني ببصائر قلوبهم وذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه الآية أيضاً واردة في صفات الأصنام لأنها جماد لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر.

السابقالتالي
2