الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله سبحانه وتعالى: { أولم يتفكروا ما بصاحبهم } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { من جنة } يعني من جنون قال قتادة ذكر لنا " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلاً فجعل يدعو قريشاً فخذاً فخذاً " يا بني فلان يا بني فلان إني لكم نذير مبين " وكان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت إلى الصباح فأنزل الله عز وجل: { أولم يتفكروا } والتفكر التأمل وإعمال الخاطر في عاقبة الأمر والمعنى أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من جِنة والجنة. حالة من الجنون وإدخال لفظة من في قوله من جنة يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون وإنما نسبوه إلى الجنون وهو بريء منه لأنهم رأوا أنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في الأقوال والأفعال لأنه كان معرضاً عن الدنيا ولذاتها مقبلاً على الآخرة ونعيمها مشتغلاً بالدعاء إلى الله عز وجل وإنذارهم بأسه ونقمته ليلاً ونهاراً من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى الجنون فبرأه الله سبحانه وتعالى من الجنون فقال تعالى: { إن هو } يعني ما هو { إلا نذير مبين } ثم حثَّهم على النظر المؤدي إلى العلم بالوحدانية فقال سبحانه وتعالى: { أولم ينظروا } يعني نظر اعتبار واستدلال { في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء } والمقصود التنبيه على أن الدلالة على الوحدانية ووجود الصانع القديم غير مقصورة على ملك السموات والأرض بل كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى وبرأه فيه دليل على وحدانية الله سبحانه وتعالى وآثار قدرته كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد   
{ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } والمعنى ولعل أجلهم يكون قد اقترب فيموتوا على الكفر قبل أن يؤمنوا فيصيروا إلى النار وإذا كان الأمر كذلك وجب على العاقل المبادرة إلى التفكر والاعتبار والنظر المؤدي إلى الفوز بالنعيم المقيم { فبأي حديث بعده } يعني القرآن { يؤمنون } يعني يصدقون. والمعنى فبأي كتاب بعد الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يصدقون وليس بعد محمد نبي ولا بعد كتابه كتاب لأنه خاتم الأنبياء وكتابه خاتم الكتب لانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان فقال سبحانه وتعالى: { من يضلل الله فلا هادي له } يعني أن إعراض هؤلاء عن الإيمان لإضلال الله إياهم فلو هداهم لآمنوا { ويذرهم في طغيانهم يعمهون } يعني ويتركهم في ضلالتهم وتماديهم في الكفر يترددون متحيرين لا يهتدون سبيلاً. قوله عز وجل: { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } قال قتادة: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة فأنزل الله تعالى هذه الآية.

السابقالتالي
2 3