الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله عز وجل: { وهو الذي أنزل من السماء ماء } يعني المطر وقيل إن الله ينزل المطر من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض { فأخرجنا به } يعني بالماء الذي أنزلناه من السماء { نبات كل شيء } يعني كل شيء ينبت وينمو من جميع أصناف النبات، وقيل معناه أخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء غذاء كل شيء من: الأنعام والبهائم والطير والوحش وأرزاق بني آدم وأقواتهم مما يتغذون به فينبتون عليه وينمون { فأخرجنا منه خضراً } يريد أخضر مثل عور وأعور. والأخضر هو جميع الزروع والبقول الرطبة { نخرج منه حباً متراكباً } يعني: يخرج من ذلك الأخضر سنابل فيها الحب يركب بعضها فوق بعض مثل: سنبل القمح والشعير والأرز والذرة وسائر الحبوب وفي تقديم الزرع على النخيل دليل على الأفضلية ولأن حاجة الناس إليه أكثر لأنه القوت المألوف { ومن النخل من طلعها قنوان دانية } يعني من ثمرها. يقال: أطلعت النخلة إذا أخرجت طلعها وطلعها كفراها قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض: يسمى طلعاً أيضاً وهو ما يكون في قلب الطلع والطلع أول ما يبدو ويخرج من ثمر النخل كالكيزان يكون فيه العذق فإذا شق عنه كيزانه سمي عذقاً وهو القنو وجمعه قنوان مثل: صنو وصنون. دانية أي قريبة التناول ينالها القائم والقاعد وقال مجاهد: متدلية. وقال الضحاك: قصار ملتصقة بالأرض وفيه اختصار وحذف تقديره ومن النخل ما قنوانها دانية قريبة ومنها ما هي بعيدة عالية فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لشدة الاهتمام بها ولأنها أسهل تناولاً من البعيدة لأن البعيدة تحتاج إلى كلفة { وجنات من أعناب } يعني وأخرجنا من ذلك بساتين من أعناب { والزيتون والرمان } يعني وأخرجنا شجرة الزيتون وشجر الرمان { مشتبهاً } قال قتادة مشتبهاً ورقها مختلفاً ثمرها لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان { وغير متشابه } يعني ومنها غير متشابه في الورق والطعم. واعلم أن الله تعالى ذكر في هذه الآية أربعة أنواع من الشجر بعد ذكر الزرع وإنما قدم الزرع على سائر الأشجار لأن الزرع غذاء وثمار أشجار فواكه والغذاء مقدم على الفواكه وإنما قدم النخلة على غيرها لأن ثمرتها تجري مجرى الغذاء، وفيها من المنافع والخواص ما ليس في غيرها من الأشجار وإنما ذكر العنب عقب النخلة لأنها من أشرف أنواع الفواكه ثم ذكر عقبه الزيتون لما فيه من البركة والمنافع الكثيرة في الأكل وسائر وجوه الاستعمال ثم ذكر عقيبه الرمان لما فيه من المنافع أيضاً لأنه فاكهة ودواء ثم قال تعالى: { انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } يعني ونضجه وإدراكه. والمعنى انظروا نظر استدلال واعتبروا كيف أخرج الله تعالى هذه التمرة الرطبة اللطيفة من هذه الشجرة الكثيفة اليابسة وهو قوله: { إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } يعني يصدقون أن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار قادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم وإنما احتج الله عليهم بتصريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعاً ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها وإخراج سائر أنواع النبات والثمار منها وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله تعالى ليبين أنه تعالى كذلك قادر على أن يحييهم بعد موتهم ويبعثهم يوم القيامة فاحتج عليهم بهذه الأشياء لأنهم كانوا ينكرون البعث.