الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وزكريا } هو ابن آذن بن بركيا { ويحيى } هو ابن زكريا { وعيسى } هو ابن مريم بنت عمران { والياس }. قال ابن مسعود: هو إدريس وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل وقال محمد بن إسحاق: هو الياس بن سنا ابن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وهذا هو الصحيح لأن أصحاب الأنساب يقولون: إن إدريس جد نوح لأن نوحاً بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو أدريس ولأن الله تعالى نسب الياس في هذه الآية إلى نوح وجعله من ذريته { كل من الصالحين } يعني أن كل من ذكرنا وسمينا من الصالحين { وإسماعيل } هو ابن إبراهيم وإنما أخر ذكره إلى هنا لأنه ذكر إسحاق وذكر أولاده من بعده على نسق واحد فلهذا السبب أخر ذكر إسماعيل إلى هنا { واليسع } هو ابن أخطوب بن العجوز { ويونس } هو ابن متى { ولوطاً } هو ابن أخي إبراهيم: { وكلاًّ فضلنا على العالمين } يعني على عالمي زمانهم. ويستدل بهذه الآية من يقول إن الأنبياء أفضل من الملائكة لأن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى فيدخل فيه الملك فيقتضي أن الأنبياء أفضل من الملائكة. واعلم أن الله تعالى ذكر هنا ثمانية عشر نبياً من الأنبياء عليهم السلام من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل، لأن الواو لا تقتضي الترتيب ولكن هنا لطيفة أوجبت هذا الترتيب وهي أن الله تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء عليهم السلام بنوع من الكرامة والفضل، فذكر أولاً نوحاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أصول الأنبياء وإليهم ترجع أنسابهم جميعاً ثم من المراتب المعتبرة بعد النبوة الملك والقدرة والسلطان قد أعطى الله داود وسليمان من ذلك حظاً وافراً من المراتب: الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد وقد خص الله بهذه أيوب عليه السلام ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما وهو يوسف عليه السلام فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن أعطاه الله ملك مصر مع النبوة ثم من المراتب المعتبرة في تفضيل الأنبياء عليهم السلام كثرة المعجزات وقوة البراهين وقد خص الله تعالى موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر ثم من المراتب المعتبرة الزهد في الدنيا والإعراض عنها وقد خص الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى والياس عليهم السلام ولهذا السبب وصفهم بأنهم من الصالحين ثم ذكر الله من بعد هؤلاء الأنبياء من لم يبق له أتباع ولا شريعة وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط فإذا اعتبرنا هذه اللطيفة على هذا الوجه كان هذا الترتيب من أحسن شيء يذكر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. قوله تعالى: { ومن آبائهم } يعني ومن آباء الذين سميناهم ومَن هنا للتبعيض لأن من آباء بعضهم من لم يكن مسلماً { وذرياتهم } يعني ومن ذرياتهم أي بعضهم لأن عيسى ويحيى لم يكن لهما ولد وكان في ذرية بعضهم من هو كافر كابن نوح { وإخوانهم } يعني ومن إخوانهم والمعنى أن الله تعالى وفق من آباء المذكورين ومن إخوانهم وذرياتهم للهداية وخالص الدين وهو قوله تعالى: { واجتبيناهم } يعني اخترناهم واصطفيناهم { وهديناهم } يعني وأرشدناهم { إلى صراط مستقيم } أي إلى دين الحق { ذلك هدى الله } قال ابن عباس: ذلك دين الله الذي كان عليه هؤلاء الأنبياء.

السابقالتالي
2