الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } الخطاب للنبي. يعني: وذر يا محمد هؤلاء المشركين الذين اتخذوا دينهم الذي أمروا به ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعباً ولهواً وذلك حيث سخروا به واستهزؤوا به وقيل إنهم اتخذوا عبادة الأصنام لعباً ولهواً. وقيل: إن الكفار كانوا إذا سمعوا القرآن لعبوا ولهوا عند سماعه. وقيل إن الله جعل لكل قوم عيداً فاتخذ كل قوم دينهم يعني عيدهم لعباً ولهواً يلعبون ويلهون فيه إلا المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة وتكبيراً وفعل الخير فيه مثل عيد الفطر وعيد النحر ويوم الجمعة { وغرتهم الحياة الدنيا } يعني أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا وغلب حبها على قلوبهم فأعرضوا عن دين الحق واتخذوا دينهم لعباً ولهواً ومعنى الآية: وذرْ يا محمد الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً واتركهم ولا تبالِ بتكذيبهم واستهزائهم وهذا يقتضي الإعراض عنهم ثم نسخ ذلك الإعراض بآية السيف وهو قول قتادة والسدي. وقيل: إنه خرج مخرج التهديد فهو كقولهذرني ومن خلقت وحيداً } [المدثر: 11] وهذا قول مجاهد فعلى هذا تكون الآية محكمة. وقيل: المراد بالإعراض عنهم: ترك معاشرتهم ومخالطتهم لا ترك الإنذار والتخويف ويدل عليه قوله: { وذكر به } يعني وذكر بالقرآن وعِظْ به هؤلاء المشركين { أن تبسل نفس بما كسبت } أي لئلا تبسل نفس وأصل البسل في اللغة: التحريم وضم الشيء ومنعه. وهذا عليك بسل: أي حرام ممنوع. فمعنى تبسل نفس بما كسبت: ترتهن وتحبس في جهنم وتحرم من الثواب بسب بما كسبت من الآثام. وقال ابن عباس: تبسل تهلك. وقال قتادة: تحبس يعني في جهنم. وقال الضحاك: تحرق بالنار. وقال ابن زيد: تؤخذ يعني بما كسبت. وقيل: تفضح. والمعنى: وذكرهم بالقرآن ومواعظه وعرفهم الشرائع لكي لا تهلك نفس وترتهن في جنهم بسبب الجنايات التي اكتسبت في الدنيا وتحرم الثواب في الآخرة { ليس لها } يعني لتلك النفس التي هلكت { من دون الله ولي } أي قريب يلي أمرها { ولا شفيع } يعني يشفع لها في الآخرة { وإن تعدل كل عدل } يعني وإن تفتد بكل فداء والعدل الفداء { لا يؤخذ منها } يعني العدل وتلك الفدية { أولئك الذين } إشارة إلى الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا { أبسلوا بما كسبوا } يعني أسلموا إلى الهلاك بسبب ما اكتسبوا { لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون } ذلك لهم بسبب كفرهم. قوله تعالى: { قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى دين آبائك أندعو يعني أنعبد من دون الله يعني الأصنام التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من ترك عبادتها { ونرد على أعقابنا } يعني ونرد إلى الشرك { بعد إذ هدانا الله } يعني إلى دين الإسلام والتوحيد { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } يعني كالذي ذهبت به الشياطين فألقته في هوية من الأرض وأصله من الهوى وهو النزول من أعلى إلى أسفل { حيران } يقال: حارَ فلان في الأمر، إذا تردد فيه فلم يهتد إلى الصواب ولا المخرج منه { له أصحاب يدعونه إلى الهدى } يعني لهذا المتحير الذي استهوته الشياطين أصحاب على الطريق المستقيم { ائتنا } يعني يقولون له ائتنا وهذا مثل ضربه الله لمن يدعو إلى عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولمن يدعو إلى عبادة الله عز وجل الذي يضر وينفع يقول مثلهما كمثل رجل في رفقة ضل به الغول والشيطان عن الطريق المستقيم فجعل أصحابه ورفقته يدعونه إليهم يقولون: هلم إلى الطريق المستقيم وجعل الغيلان يدعونه إليهم فبقي حيران لا يدري أين يذهب فإن أجاب الغيلان ضل وهلك وإن أجاب أصحابه اهتدى وسلم { قل إن هدى الله هو الهدى } يعني أن طريق الله الذي أوضحه لعباده ودينه الذي شرعه لهم هو الهدى والنور والاستقامة لا عبادة الأصنام ففيه زجر عن عبادتها كأنه يقول لا تفعل ذلك فإن هدى الله هو الهدى لا هدى غيره { وأمرنا لنسلم } أي وأمرنا أن نسلم ونخلص العبادة { لرب العالمين } لأنه هو الذي يستحق العبادة لا غيره.