الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { قل فلله الحجة البالغة } يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين حين عجزوا عن إظهار علم الله أو حجة لهم فللّه الحجة البالغة يعني التامة على خلقه بإنزال الكتاب وإرسال الرسل. قال الربيع بن أنس: لا حجة لأحد عصى الله أو أشرك به على الله ولكن لله الحجة البالغة على عباده { فلو شاء لهداكم أجمعين } يعني فلو شاء الله لوفقكم أجمعين للهداية ولكنه لم يشأ ذلك وفيه دليل على أنه تعالى لم يشأ إيمان الكافر ولو شاء لهداه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون { قل هلم شهداءكم الذين يشهدون } يعني هاتوا وادعوا شهداءكم. وهلم كلمة دعوة إلى الشيء يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والذكر والأنثى وفيها لغة أخرى يقال للواحد هلم وللاثنين هلما وللجمع هلموا وللأنثى هلمي واللغة الأولى أفصح { إن الله حرم هذا } وهذا تنبيه من الله باستدعاء الشهود من الكافرين على تحريم ما حرموه على أنفسهم وقالوا إن الله أمرنا به ليظهر أن لا شاهد لهم على ذلك وإنما اختلقوه من عند أنفسهم { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } وهذا تنبيه أيضاً على كونهم كاذبين في شهادتهم فلا تشهد أنت يا محمد معهم لأنهم في شهادتهم كاذبون { ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا } يعني إن وقع منهم شهادة فإنما هي باتباع الهوى فلا تتبع أنت يا محمد أهواءهم ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتابي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { والذين لا يؤمنون بالآخرة } أي ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة { وهم بربهم يعدلون } يعني يشركون. قوله عز وجل: { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } لما بين الله تعالى فساد مقالة الكفار فيما زعموا أن الله أمرهم بتحريم ما حرموه على أنفسهم فكأنهم سألوا وقالوا: أي شيء حرم الله فأمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم تعالوا تعال من الخاص الذي صار عاماً وأصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عمَّ. وقيل أصله أن تدعو الإنسان إلى مكان مرتفع وهو من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعاه إلى ما فيه رفعة وشرف ثم كثر في الاستعمال، والمعنى: تعالوا وهلموا أيها القوم أتل عليكم يعني أقرأ ما حرم ربكم عليكم يعني الذي حرم ربكم عليكم حقاً يقيناً لا شك فيه ولا ظناً ولا كذباً كما تزعمون أنتم بل هو وحي أوحاه الله إليّ { ألا تشركوا به شيئاً }. فإن قلت: ترك الإشراك واجب فما معنى قوله أن لا تشركوا به شيئاً لأنه كالتفصيل لما أجمله فيقوله حرم ربكم عليكم وذلك لا يجوز.

السابقالتالي
2 3