الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

قوله عز وجل: { وهذا صراط ربك مستقيماً } يعني وهذا الذي بيَّنّا لك يا محمد في هذه السورة وغيرها من سور القرآن هو صراط ربك يعني دينه الذي شرعه لعباده ورضيه لنفسه وجعله مستقيماً لا اعوجاج فيه. قال ابن عباس: في قوله وهذا صراط ربك مستقيماً يعني الإسلام، وقال ابن مسعود: يعني القرآن لأنه يؤدي من تبعه وعمل به إلى طريق الاستقامة والسداد { قد فصلنا الآيات } يعني قد فصلنا آيات القرآن بالوعد والوعيد والثواب والعقاب والحلال والحرام والأمر والنهي وغير ذلك من أحكام القرآن { لقوم يذكرون } يعني لمن يتذكر بها ويتعظ بما فيها من المواعظ والعبر. قال عطاء: يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان { لهم دار السلام عند ربهم } يعني الجنة في قول جميع المفسرين. قال الحسن والسدي: السلام هو الله تعالى وداره الجنة. معنى السلام في أسماء الله تعالى ذو السلام وهو جمع سلامة لأنه تعالى ذو السلامة من جميع الآفات والنقائص فعلى هذا القول أضيفت الدار إلى السلام الذي هو اسم الله تعالى إضافة تشريف وتعظيم كما قيل للكعبة بيت الله وللنبي صلى الله عليه وسلم عبد الله في قولهوأنه لما قام عبد الله يدعوه } [الجن: 19]، واحتج لصحة هذا بأن في إضافة الدار إلى الله تعالى نهاية تشريفها وتعظيمها فكان ذكر الإضافة مبالغة في تعظيم أمرها. وقيل إن السلام صفة للدار لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع فعلى هذا يكون السلام بمعنى السلامة كأنه قال دار السلامة التي لا يلقون فيها شيئاً يكرهونه. وقيل سميت بذلك لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة كما قال تعالى في وصفهاادخلوها بسلام آمنين } [الحجر: 46]والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } [الرعد: 23-24]وقالوتحيتهم فيها سلام } [يونس: 10] وقالسلام قولاً من رب رحيم } [يس: 58]لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً } [مريم: 62] وقوله { عند ربهم } يعني أن الجنة معدة مهيأة لهم عند ربهم حتى يوصلهم إليها { وهو وليهم بما كانوا يعملون } يعني أنه تعالى يتولى أمرهم وإيصال المنافع إليهم ويدفع المضار عنهم. وقيل معناه أنه يتولاهم في الدنيا بالتوفيق والهداية وفي الآخرة بالجزاء والجنة. وقيل: الولي هو الناصر والقريب يعني أنه تعالى ينصرهم في الدنيا ويقربهم في الآخرة بسبب أعمالهم الصالحة التي كانوا يتقربون بها إليه في الدنيا قوله تعالى: { ويوم نحشرهم جميعاً } أي اذكر يا محمد يوم نحشر المعادلين بالله الأصنام مع أوليائهم من الشياطين يعني نحشر المشركين والشياطين جميعاً يوم القيامة { يا معشر الجن } فيه حذف تقديره يقول لهم يا معشر الجن والمعشر الجماعة والمراد من الجن الشياطين { قد استكثرتم من الإنس } يعني من إضلالهم وإغوائهم وقال ابن عباس: معناه أضللتم كثيراً من الإنس وهذا التفسير لا بد له من تأويل آخر لأن الجن لا يقدرون على إضلال الإنس وإغوائهم بأنفسهم لأنه لا يقدر على الإجبار أحد إلا الله لأنه هو المتصرف في خلقه بما شاء فوجب أن يكون المعنى: قد استكثرتم من الدعاء إلى الإضلال مع مصادفة القبول من الإنس { وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } يعني استمتع الجن بالإنس والإنس بالجن فأما استمتاع الإنس بالجن فقال الكلبي: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر فنزل بأرض فقراء وخاف على نفسه من الجن قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوارهم.

السابقالتالي
2 3