الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } أي الإيمان. يقال: شرح الله صدره فانشرح أي وسعه لقبول الإيمان والخير فتوسع وذلك أن الإنسان إذا اعتقد في عمل من الأعمال أن نفعه زائد وخيره راجح وربحه ظاهر مال بطبعه إليه وقويت رغبته فيه فتسمى هذه الحالة سعة النفس وانشراح الصدر. وقيل الشرح الفتح والبين ويقال شرح فلان أمره إذا: أوضحه وأظهره. وشرح المسألة إذا كانت مشكلة فأوضحها وبينها فقد ثبت أن للشرح معنين: أحدهما: الفتح ومنه يقال شرح الكافر بالكفر صدراً أي فتحه لقبوله ومنه قوله تعالى:ولكن من شرح بالكفر صدراً } [النحل: 106] وقوله:أفمن شرح الله صدره للإسلام } [الزمر: 22] يعني فتحه ووسعه لقبوله. والثاني: أن الشرح نور يقذفه الله في قلب العبد فيعرف بذلك النور الحق، فيقبله وينشرح صدره له ومعنى الآية: { فمن يرد الله أن يهديه للإيمان بالله } وبرسوله وبما جاء به من عنده يوفقه له ويشرح صدره، لقبوله ويهونه عليه ويسهله له بفضله وكرمه ولطفه به وإحسانه إليه فعند ذلك يستنير الإسلام في قلبه فيضيء به ويتسع له صدره ولما نزلت هذه الآية " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر فقال " نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح " قيل فهل لذلك أمارة قال: " نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " " وأسنده الطبري عن ابن مسعود قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه هذه الآية:فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } [الأَنعام: 125] قال " " إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح " قالوا فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: " الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " وقوله تعالى: { ومن يرد } أي الله { أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } يعني يجعل صدره ضيقاً حتى لا يدخله الإيمان، وقال الكلبي: ليس للخير فيه منفذ، وقال ابن عباس: إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه وإذا سمع ذكر الأصنام ارتاح إلى ذلك. وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية وعنده أعرابي من كنانة فقال له: ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. وأصل الحرج الضيق وهو مأخوذ من الحرجة وهي الأشجار الملتف بعضها على بعض حتى لا يصل إليه شيء. وقرأ ابن عباس هذه الآية فقال: هل هنا أحد من بني بكر؟ قال رجل: نعم.

السابقالتالي
2